كثيراً ما نردد هذا السؤال على العمالة التي تأتي من جنوب آسيا بصرف النظر عن حقيقة جنسية العامل أو البلد الذي قدم فعلاً منه، فقد ترسخت لدينا شخصية الهندي بأنه عامل وأحياناً ننظر اليه بأنه من الشخصيات التي يصعب شرح الأمور لها ولا تستوعب الأمور بشكل سريع..
... بل إننا قد نسأل من لا يفهم ممن لا نعرف (هل أنت هندي؟) والبعض الآخر ينظر إلى شخصية الهندي بأنه شخص يقبع على الطريق ويتراقص أمامه ثعبان وآخرون ينظرون إلى الهنود بأنهم ممثلون وأبطال في بوليوود .
هناك شخصية أخرى للهنود قد لا يعرفها البعض فهم متواجدون في الإطار العلمي بوادي سيلكون في كالفيورنيا في أمريكا معقل التكنولوجيا المتطورة في العالم ولهم العديد من أعمال البحث والتطوير، كما أن الهند ثاني أكبر مصدر للبرمجيات بعد الولايات المتحدة الأمريكية في العالم وتتم فيها تطوير حوالي 40% من البرمجيات المستخدمة في الهواتف الخلوية. وتتجاوز قيمة صادرات الهند في مجال التكنولوجيا والمعلومات 60 مليار دولار وهي نسبة تسهم بـ7% من الناتج القومي للهند وتوفر أكثر من 9 ملايين فرصة عمل.
في عام 1988م أي قبل حوالي 25 عاما أطلقت الهند برنامجها للفضاء الخارجي واضعة نصب عينها أهدافاً أساسية في مقدمتها تمكينها من المراقبة المستمرة لثرواتها الطبيعية ووضع الخرائط الدقيقة للتحولات المكانية والزمانية لخصائص التربة وأساليب استخدام الأراضي الزراعية بمستوى دقيق لتحديد مواقع الغابات والموارد الزراعية وأراضي المراعي ومناطق المحصول والأراضي البور، أو تلك القابلة للاستصلاح، وإجراء مسوحات لمواقع المياه الجوفية بدقة وبما يمكن معه وضع تصور مسبق للكم التخزيني، ومستوى توزيع الحبوب الغذائية.
وفي عام 2008 نجحت الهند في إطلاق أول مركبة فضائية للقمر وذلك في خطوة تاريخية وذلك من أجل القيام بدراسات وتجارب علمية لطبقات القمر وسطحه، وما قد يكون فوقه من مياه ومعادن، ولا سيما عنصر الهيليوم النادر على الأرض، والذي قد يلعب في المستقبل دوراً مهماً كبديل للطاقة مما يسمح لمثل هذا البلد الصاعد بمجاراة الصين واليابان، وتفتح مجال التنافس معهما.
لقد نجحت الهند في إطلاق عشرة أقمار اصطناعية (ثمانية منها أجنبية) بواسطة صاروخ هندي واحد لوضع الأقمار في مدار وبكلفة تقل عن أسعار السوق بنحو 35 بالمئة، وقد عد هذا بمثابة انتصار للهند لتحطيمها الرقم المسجل سابقاً باسم أحد الصواريخ الروسية، والذي لم ينجح سوى في إطلاق ثمانية أقمار، واليوم تسعى الهند للوصول إلى المريخ وإقامة العديد من الأبحاث هناك.
كما تشهد الهند تطورات مثيرة في صناعة مكونات المركبات وتصميم موديلاتها ضمن سوق ينمو سنوياً بنسبة 20 بالمئة منذ عام 2000، إذ بات يُنظر إلى الهند اليوم باعتبارها إحدى الدول التي تحقق واحداً من أكبر معدلات النمو على الصعيد العالمي لصناعة السيارات بمعدل نمو يصل إلى حوالي 9% سنويًا. وقد ارتفع معدل مبيعاتها من السيارات بنسبة 7.3% في عام 2002 ليصل إنتاجها إلى نحو 770 ألف سيارة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم مع نهاية العام القادم إلى 2مليون سيارة سنوياً. وكنتيجة لقيام كبريات شركات السيارات العالمية الألمانية واليابانية والماليزية بإنشاء وحدات صناعية لها في الهند، صارت الأخيرة تلعب دوراً متزايداً كمركز لتصدير العربات الصغيرة إلى الأسواق العالمية.
ما سبق لم يأت من فراغ فقصة هذا النجاح إنطلقت من الخمسينات من القرن العشرين، وبعد نيل الهند استقلالها، فقد قرر رئيس وزرائها آنذاك أن تكون لبلده معاهد تكنولوجيا من الطراز العالمي مؤكداً أن هذا هو الطريق الوحيد ليكون لبلاده مستقبل زاهر ورائد في مجال العلوم والتكنولوجيا إضافة إلى ما تملكه الدولة من طاقات وإمكانات مادية وبشرية هائلة ساهمت في إنشاء أهم معاهد التكنولوجيا في العالم وهو معهد IIT ، والذي تخرج منه أجيال فذة من الموهوبين والذين تعتمد عليهم اليوم كبرى الشركات العالمية في صناعة البرمجيات مثل مايكروسوفت وآبل وآي بي إم .
هذه هي حقيقة الهند وهذه هي حقيقة البلد الذي أتى منه ذلك العامل الهندي فهل ستتغير نظرتنا للهنود أم ستبقى كما هي؟