كتب الزميل الأستاذ سلمان العمري مقالاً رصيناً عن داء التعصب وإرهاصاته في نسيجنا الرياضي.. تحدث فيه عن مخاطر هذا المرض النفسي الاجتماعي في قالبه الرياضي، وخصوصا أن مجال الرياضة يعتبر مجالاً خصباً, ومرتعاً جاذباً لأسوأ أنواع التعصب وإثارة البغضاء والشحناء ونشر ثقافة العداوة والإقصاء, موضحاً أن (التعصب المقيت) وصل إلى مستويات خطيرة جداً ربما تهدد تماسك المجتمع ووحدة الأسرة, كما أنه بلغ إلى حد القذف الشخصي والاتهام بكبائر الأمور واستخدام النفوذ والطعن في ذوات الأشخاص والنيل من الذمة والمصداقية والاتهام بالكذب والخيانة.. إلخ,
- وبالتأكيد ظاهرة التعصب الرياضي تشكل ظاهرة عالمية موجودة في كل المجتمعات سواء المتقدمة أو المتخلفة غير أن نسبتها تختلف طبقاً لوعي المجتمع ودرجة رقيه وعمق حضارته, والتعصب ومثالبه يعد من أبرز القضايا الاجتماعية النفسية التي يلاحظ انتشارها في المجتمع الرياضي وهو جزء من نسيج مجتمعنا الكبير الذي يعيش في واقعه المعاصر مرحلة شبابه, باعتبار أن حوالي 65% من تركيبته الديموغرافية - السكانية- تمثّلها فئة الشباب.. وهذه القوالب الشبابية هي الأكثر متابعة للرياضة وميلها للتشجيع والانتماء للأندية الرياضية, ومعظمها تعيش تحت مظلة (التعصب الرياضي) الذي يشكّل الإعلام الرياضي بمكوناته ومنطلقاته واتجاهاته.. أحد العوامل المؤثّرة في إذكاء روح التعصب المقيت ونشر ثقافة الإقصاء ومفردات الكراهية والعنف والشغب داخل المجتمع الرياضي.. فأضحي مرض التعصب الرياضي أحد البثور السوداء في وجه الرياضة الجميل وأهدافها النبيلة.. يشوّه جمال المنافسة الشريفة, ويعبث في مكنونات وأدوات الروح الرياضية ومفهومها الحضاري.. وبذات الوقت يمثّل معوقاً من معوقات التنمية الرياضية.., والرياضة كممارسة فكرية تسمو بالأخلاق والفضيلة وتنمي قيم المحبة والألفة وتعمّق روح التواصل والتعاون.. وتعزِّز قيمة وثقافة الحوار وأدبياته, وأمام هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة (التعصب الرياضي) بات من الأهمية بمكان علاج ومكافحة هذا المرض النفسي الاجتماعي وضبط توازنه.. وهذا لن يتأتى إلا بالاعتراف - أولاً - بوجوده, وأنه من العوامل السلبية التي التصقت بالمنافسات الرياضية خصوصاً في الآونة الأخيرة التي تشهد تطوراً في وسائل الإعلام المتنوّعة والإثارة الممجوجة التي كثيراً ما تجلب ثقافة الإقصاء والتعصب والعنصرية والكراهية وزراعة الفتن والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد, ولاسيما أن سقف الحرية في الإعلام الرياضي»الرسمي» وقنواته أعلى من تمثال (الحرية) الأمريكي..! وبالتالي تظهر العديد من العمليات الاجتماعية المناهضة لقواعد الضبط الأخلاقي والمهني والاجتماعي.. والاعتراف -وكما يقول خبير الإدارة الفرنسي الشهير (هنري فايول) - نصف الحل ..! والنصف الآخر الاتجاه ببوصلة الأبحاث الرياضية الاجتماعية, وإخضاع كل المشكلات والقضايا الرياضية إلى قالب البحث العلمي الرصين.., ومع الأسف أن ثقافة نسيجنا الرياضي ومكوناته لا تؤمن بأهمية الأبحاث العلمية ودورها المنهجي في علاج المشكلت المجتمعية والحد من انتشار فيروساتها, مع إننا نعيش في زمن العولمة العلمية التي أصبح فيها البحث العلمي هو ذراع التنمية, والرقم الصعب في خارطة التطور الاجتماعي.. فمع ثورة الكراسي البحثية العلمية التي تشهدها صروحنا الأكاديمية ومؤسسات التعليم العالي في وقعنا المعاصر.. لم نسمع عن تقدم المؤسسة الرياضية (رعاية الشباب) بطلب إنشاء كرسي بحث علمي يتناول أهم القضايا الرياضية المجتمعية.. كالتعصب الرياضي, والعنف في الملاعب, والفساد في الأنشطة الرياضية أو نشر ثقافة الحوار الرياضي.. إلخ, مع أن الأبحاث العلمية أصبحت (اليوم) ذات أهمية معيارية.. تختصر مسافة النجاح وزمن الإصلاح.. وربما أن النجاحات التي حققتها الكرة اليابانية ونقلتها الجمبازية في تنميتها الرياضية لم تكن تتحقق لولا اهتمامها بقيمة الأبحاث العلمية الرياضية ودورها المفصلي في صناعة التطور الرياضي, والأخذ بزمامها, كما أن حالات الشغب والعنف في الدوري الإنجليزي تم مكافحته فيروساته وضبط توازنها بالبحث العلمي الرياضي بعدما عجز اتحادها العجوز في التصدي لهذه التجاوزات والممارسات الخارجة عن سياق المبادئ التنافسية وقواعدها الأخلاقية.. إلا عبر البوابة العلمية.
- والأكيد أننا نحتاج مواجهة قضايانا الرياضية -..كالتعصب الرياضي والعنصرية وغيرها من المشكلات المجتمعية.. بالاعتراف أولا.. ثم الأخذ بزمام الأبحاث العلمية الرياضية.. للحد من انتشار مكروباتها, والارتقاء بمفهوم التنافس الرياضي الشريف, وتعميق ثقافة التشجيع الحضاري بلغة اعتدالية... فالتطرف والفكر الأحادي والتشدد والإقصاء الذي ينطلق من ثقافة (التعصب المقيت) لن يجلب لنا إلا مزيداً من الاحتقان والغوغائية والأمراض الاجتماعية.