يصبح للموهبة على أنواعها قيمة بنظر المؤسسة عندما لا يتردد الموظف في التعبير عن اختلافاته في مكان العمل. ولكن في أحيان كثيرة، لا أحد يرى الاختلاف أو يقدّره، بل يصبح هذا الأخير سبباً للمؤسسة كي لا ترانا.
وقد اختبرتُ الأمر بنفسي عندما أخبرني شخص يتحلّى بقدرة كبيرة قائلاً: «إن كنتِ امرأةً داكنة البشرة، يكاد الاحتمال يكون معدوماً بأن يتنبّه أحدهم إليكِ». وقد كتبتُ عن تلك التجربة في مقال عن التحيزات الثقافية، مع أنني لم أخبر إلى أي مدى سمحت لي باستحداث صورة جديدة في ذهني، بدوتُ فيها أضعف من ذي قبل. وقد سمح المنطق القائل بأنّ «أحداً لن يتنبّه إليك يوماً» بتقليص القدرة لديّ، فحوّل «الأنا القوية» في داخلي إلى «أنا ضعيفة»، بسبب فئة المجتمع التي أنتمي إليها، وعشتُ في حالة من الفوضى لأشهر طويلة.
تبرز المشكلة عندما يعتقد من هم عاجزون عن رؤية شخص ما بأن الشخص غير المرئي هو غائب عن الوجود أصلاً. ويكون التبرير، على سبيل المثال، أنّه لو كان في محيطنا نساء قويّات يتمتّعن بمواصفات قياديّة، لكنّا تنبّهنا بلا أدنى شكّ إلى وجودهنّ، حتّى أنّنا كنّا سنضمّهنّ إلى مجلس إدارتنا. وبما أننا لا نراهنّ، فمعناه طبعاً أنّه لا وجود لهنّ.
وفي مرحلة لاحقة، عندما يتم تناول موضوع «عدم رؤية الأشخاص»، يتّخذ النقاش اللاحق الصيغة التالية تقريباً: لعلّ الأشخاص - غير المرئيين- لم يفعلوا ما يكفي، أو لم تكن إنجازاتهم كافية، أو ربّما لم يحاولوا بما فيه الكفاية. ولسوء الحظّ أن منطق «عدم الكفاية» يؤجج بعض المخاوف في قلوب الأشخاص غير المرئيين، وأنا منهم. وبالتالي، أقنعت نفسي بأنه أمر أستطيع التحكّم به من خلال وضع خطّة عمل، وبأنّ المسألة هي فقط مسألة تخطّي حاجز أعلى.
ولكن بهذه الطريقة، تضع القدرة على جعلكَ مرئياً بين يديّ طرف آخر، أليس صحيحاً؟ ماذا لو أنّ الخطوة الأولى ليرانا الآخرون تكمن في أن نبدأ برؤية أنفسنا؟ ماذا لو أنه في خضمّ رغبتنا في المشاركة وفي أن يرانا الآخرون، نسينا أولاً أن ننتمي إلى أنفسنا؟
كلّما ازداد إيمانك بنفسك، قلّت حاجتك إلى إيمان الآخرين بك. ولا يعني الأمر أنني أنكر دور القدرة البنيوية، أو القدرة الثقافية التي تقيّد الكثيرين لأنهم يبقون غير مرئيين. إن ربط القدرة بالفرد، وبه وحده، يعني التسليم بأنها تقتصر عليه، والتلميح بأنه في حال بقيت مجموعة من الأشخاص غير مرئية بالكامل، أو مرئية جزئياً، «فاللوم يقع عليهم» بطريقة ما.
لا يمكنك أن تطلب من الآخرين أن يكافحوا «الأنا الضعيفة» خاصتك. ولا أحد غيرك قادر على عيش حياتك، ولا أحد غيرك عاش الحياة التي اختبرتها أنت حتى الآن. وبالتالي، لا أحد غيرك لديه الأحلام التي قرَّرت أنت أن تحلم بها. وإن طلبت من شخص تقييم قدرتك، فأنت لا تتخلّى عن قدرتك فحسب، بل أيضاً تطلب منه تقييم أمر يستحيل عليه فهمه.