بعد سقوط غرناطة الأندلسية عام 1493م على يد الملكين فرناندو وإزابلا، كانت هناك عهود تقضي باحترام دين المسلمين وقيمهم ولغتهم وعاداتهم، واستمر الحال على ذلك بضع سنين إلاّ أنّ تلك العهود تم التخلّي عنها تدريجياً خلال فترة الملكين الكاثوليكيين، والملوك اللاحقين.
وبعد إجبار المسلمين على التنصر، وإطلاق نعت المورسكيين عليهم، أخذت المظاهر الإسلامية والعربية تختفي في الأندلس، عن طريق وضع القوانين، ومتابعة المخالفين من خلال محاكم التفتيش والكنائس وغيرها من أجهزة عسكرية. وتوفيت إزابلا المتعصبة قبل زوجها فرناندو الذي كان قاسياً على المسلمين ومخالفاً لما أبرمه هو مع المسلمين أثناء تسليم غرناطة من يد أبي عبد الله الصغير. وقد توفي فرناندو عام 1516م بعد أن أرسى قواعد الخلاص من المسلمين إما بتنصيرهم، أو إبعادهم، واستمر الملوك من بعده على نهجه، واختلفوا في مقدار القسوة واللين، وقد كان خلفه أكثر ليناً منه في التعامل لكنه ظل على نهج والده فأصدر قراراً سنة 1524م يجبر المسلمين على التنصر، وطرد من لم يلتزم بذلك، كما صدر أمر ملكي بأن يرغم سائر المسلمين الذين تنصروا كرهاً على البقاء في إسبانيا، باعتبارهم نصارى، وأن ينصر كل أولادهم، فإذا ارتدوا عن النصرانية، قضى عليهم بالموت والمصادرة، كما قضى الأمر الملكي بأن تحوّل جميع المساجد التي بقيت إلى كنائس في الحال، حتى لا يبقى مسجد واحد للمسلمين، لطمس أثرهم، ولعدم تذكيرهم بدينهم.
وقد أصدر الملك شارلكان أحد ملوكهم اللاحقين قراراً بتحريم اللغة العربية، والمظاهر الإسلامية في الملبس والمأكل والمناسبات الاجتماعية، لكنه كان يغضّ الطرف عن تطبيقه بشكل صارم، مقابل دفع ضريبة، حتى وإن كانت باهظة. لكن في عهد الملك فيليب الثاني تغيّرت الحال، فقد كان ملكاً متعصباً أخذ على عاتقه إزالة أي مظهر من مظاهر الإسلام والعروبة سواء في المعتقد أو اللغة أو العادات والتقاليد. ولهذا فقد سن قوانين مجحفة وشديدة تأثر منها المسلمون المتنصرون كثيراً، لأنّ نصرانيتهم لم تكن حقيقية كما يزعم، وأن زوال ثقافتهم سيعمل على تأكيد نصرانيتهم، فأصدر قانوناً يقضي بأن يمنح المورسكيون ثلاثة أعوام لتعلُّم اللغة القشتالية، ثم لا يسمح بعد ذلك لأحد أن يتكلم أو يكتب أو يقرأ العربية أو يتخاطب بها، سواء بصفة عامة أو بصفة خاصة، وكل معاملات أو عقود تجرى بالعربية تكون باطلة ولا يعتد بها لدى القضاء أو غيره. ويجب أن تسلّم الكتب العربية، من أية مادة في ظرف ثلاثين يوماً إلى رئيس المجلس الملكي في غرناطة، لتفحص وتقرأ، ثم يرد غير الممنوع إلى أصحابها لتحفظ لديهم مدى الأعوام الثلاثة فقط. وأما الثياب فيمنع أن يصنع منها أي جديد مما كان يستعمل أيام المسلمين، ولا يصنع منها إلاّ ما كان مطابقاً لأزياء النصارى، وحتى لا يتلف منها ما كان من زي المسلمين فإنه يسمح بارتداء الثياب الحريرية منها لمدة عام، والصوفية لمدة عامين، ثم لا يسمح باستعمالها بعد ذلك. ويحظر التحجُّب على النساء المورسكيات وعليهن أن يكشفن وجوههن، وأن يرتدين عند الخروج المعاطف والقبعات على نحو ما تفعل النساء المورسكيات في أراجون. وهن اللاتي أجبرن على ذلك منذ زمن بعيد. ويحظر في الحفلات إجراء أية مراسم إسلامية ، ويجب أن يجرى كل ما فيها طبقاً لعرف الكنيسة، وعرف النصارى، ويجب أن تفتح المنازل أثناء الاحتفال، وكذلك أيام الجمعة وأيام الأعياد ليستطيع القسيس ورجال السلطة أن يروا ما يقع بداخلها من المظاهر والرسوم المحرمة على حد زعمهم. ويحرم إنشاد الأغاني القومية، ولا يشهر الزمر، (الرقص العربي) أو ليالي الطرب بالآلات ، أو غيرها من العوائد المورسكية، ويحرم الخضاب بالحناء، ولا يسمح بالاستحمام في الحمامات، ويجب أن تهدم سائر الحمامات العامة والخاصة، ويحرم استعمال الأسماء والألقاب العربية، ومن يحملها يجب عليه أن يبادر بتركها. ويجب أخيراً على المورسكيين الذين يستدمون العبيد السود أن يقدموا رخصهم باستخدامهم للنظر فيما إذا كان حريا بأن يسمح لهم باستبقائهم.
هذه هي نصوص ذلك القانون الظالم الذي أريد به تسديد الضربة القاتلة لبقايا الأمة الأندلسية، وذلك بتجريدها من مقوّماتها القومية الأخيرة. وقد فرضت على المخالف عقوبات فادحة، تختلف من السجن إلى النفي والإعدام وكان إحراز الكتب والأوراق العربية ولا سيما القرآن، يعتبر في نظر السلطات من أقوى الأدلة على الردّة، ويعرض المتهم لأقسى أنواع العذاب والعقاب.
أعلن هذا القانون المروع في غرناطة في يوم أول يناير سنة 1576م وهو اليوم الذي سقطت فيه غرناطة قبل ذلك بعقود من السنين، واتخذته إسبانيا عيداً قومياً تحتفل به في كل عام، وأمر ديسا رئيس المجلس الملكي، إذاعته في غرناطة، وسائر أنحاء مملكتها القديمة، وتولى إذاعته موكب من القضاة شق المدينة، ومن حوله الطبل والزمر، وعلق في ميدان باب البنود أضخم ميادينها القديمة، وفي سائر ميادينها الأخرى، وفي ربض البيازين، فوقع على المورسكيين وقع الصاعقة، وفاضت قلوبهم الكسيرة سخطاً وأسى وبؤساً، وأحيط تنفيذه بمنتهى الشدة، فحطّمت الحمامات تباعاً، حتى لم يبق حمام عام واحد في غرناطة.
هكذا كان حال المورسكيين في ذلك الزمان، أما أهل الكتاب في ديار المسلمين المعاصرين لذلك التاريخ، فقد كانوا ينعمون بحريتهم، ويتقلّدون المناصب ويعيشون في أمن وأمان في ظل الإسلام الذي جاء رحمة لبني البشر.