لم تنزلق أبداً في فضاءات التقنية فتتخلّى عن الورق وحميميته ورائحة الحبر الذي استبدله عصرنا بنقر لوحة (الكيبورد)، ولم يهجرها مبدعوها لفضاء افتراضي قد نشك في شخوصه الوهمية، ولم يخبُ وهجها كمثيلاتها ممن غادرن الساحة الثقافية سريعاً بعد وقت قصير من إشراقتهن، لعل ما أتحدث عنها هنا وأحتفي بها في هذا المقال “مجلة دبي الثقافية”، وأي حديث سيكون لمنحازةٍ مثلي للشأن الثقافي الذي قلّما يحضر مبدعوه في الوطن العربي الذي يعتبره البعض شأناً ثانوياً وليس عصباً لحياة كريمة تضمن للمجتمع الرقي الفكري وذائقة سليمة. في دبي في الخامس والعشرين من هذا الشهر لعام 2013 احتفت المجلة بانطلاقتها العاشرة في احتفائية ضمت توزيع جائزة دبي الثقافية للإبداع في دورتها الثامنة التي اعتبرها المدير العام ورئيس التحرير الأستاذ سيف المري مشروعاً ثقافياً وليست مجرد مجلة، وقد ورد في كلمته “لدينا أمل كبير نحياه ونحيا له وننتظره، نريد من خلال هذه الشمعة التي أوقدناها أن نضيء درباً وأن نصنع واقعاً أفضل لأمة تستحق الكثير، قدمت للإنسانية والحضارة العالمية الكثير ولا تزال حيَّة نابضة، إن دبي الثقافية تتحوّل من مجلة إلى مشروع ثقافي، وقد اعتادت دبي على أن تتألق وأعدكم بالكثير أعدكم أن يتألق هذا المشروع ليبلغ آفاق الوطن العربي الكبير”. كما بدأ حديثه بجملة استوقفتني ملياً “أن المجلة عندما أسست كان الهدف “أن نقول للمثقف العربي إن دبي ليست مدينة التجار ولكن مدينة الثقافة والمثقفين، وأن نقدِّم من خلالها إضافة حقيقية جديدة”. من خلال مواضيع المجلة المتعدِّدة والأقلام المميِّزة التي استقطبتها المجلة، والكتيِّبات التي تصدر مع كل عدد سواء شعرية أو روائية أو أدبية متنوِّعة وتميّز القائمين والعاملين في المجلة من رأس هرمها حتى أبسط موظفيها ما يجعل المجلة تظهر بهذا الشكل المميّز المحفّز على القراءة، مما جعلها تنطلق من دبي ليكون فضاؤها العالم العربي، بل إلى أنحاء متفرِّقة من العالم. للثقافة عرس، كانت الثقافة عروسه بامتياز وكان من احتفى بها أسماء حفرت عميقاً في ذاكرتنا الثقافية، ووجوهاً ألفناها في المسرح والتلفاز، كذلك أقلام برعت في أدب الرحلات، حيث استضافت المجلة في احتفاليتها هذه جائزة ابن بطوطة في نسختها السابعة، حيث سبق حضورها في عدد من الدول. يقول الكاتب المصري شريف صالح الفائز بالجائزة عن مجموعته القصصية في الدورة السابقة: “فيعالمنا العربي لا أعوّل ولا أثق إلا بمنجزنا الثقافي، وإذا كان ثمة حلول لكل ما نعانيه الآن، فهذه الحلول تكمن في ما هو ثقافي، تكمن في استعادة امرئ القيس والمعري والنفري والجاحظ وطه حسين ونجيب محفوظ، في الاحتفاء بمجلات دبي والعربية والدوحة، في معارض الكتب وصالات السينما” هي الثقافة حجر الأساس لأي مجتمع يمكن له أن يسمو بإنسانه وبنيانه على أساس متين ثم يزدهر بعدها الاقتصاد والسياسة والمال وووو.
تحيّة لكل المميزين والأصدقاء الرائعين الذين أشعلنا بصحبتهم شموع السنة العاشرة وقد تقاسمنا أرغفة الشعر وألحان الحياة التي امتزجت فيها الكلمة باللحن والصوت الشجي.
من الجمل التي أحب مشاركتكم إياها: “ المواطن الصالح هو الابن الشرعيّ لوطنه” ما أجمل انتمائنا لوطننا وافتخارنا به واعتزازنا، أكره تلك الأصوات التي تسارع بالاتهامات والنعيق حال حدوث أمر ما أو كارثة، في أمريكا تجرف الفيضانات المنازل والأخضر واليابس فيسارع المواطن الأمريكي بالإسعاف وتقديم المساعدة وليس بالنقد والقذف والتشاؤم. المواطن الحق هو من يسهم بالبناء والعطاء ولا يقتصر على أن يكون مجرد مستهلك كسول، هو من ينقد بموضوعية ويقدِّم رأيه عبر وسيلة أو أخرى ليفيد به مبتعداً عن المبالغة ومجرد النقد للنقد.
ودمتم سالمين.