حين صدر القرار الملكي بتعيين الدكتور محمد الرشيد وزيراً للمعارف دبت الغيرة في قلوب الطالبات؛ إذ كان الفصل الإداري بين البنين والبنات قائماً! فالوزير الجديد يتميز بالانفتاح الذهني والعزم والحماس، فضلاً عن كونه تدرج في سلم التربية والتعليم معلماً وأستاذاً جامعياً ثم مديراً لمكتب التربية العربي، بينما شرط تعيين رئيس تعليم البنات أن يكون من خريجي كلية الشريعة وملتحياً ولا يلبس عقالاً!
وعندما حصلت كارثة حريق مدرسة مكة للبنات، التي راحت ضحيتها أرواح بريئة، ارتأت القيادة دمج تعليم البنات إدارياً مع تعليم البنين تحت مظلة وزارة التربية والتعليم، فحلت كارثة الرفض الاجتماعي مدعوماً بأجندة دينية استناداً لفكرة وهمية تحت مسمى (منع الاختلاط)!
عانى الوزير الرشيد من هذا الفكر كثيراً بسبب تطبيق قرار الدمج؛ إذ صدحت خطب المنابر ووزعت المنشورات لرفض الدمج، وسُبّ الوزير برغم أنه لا يشمل إلا الإدارات العليا، بينما تُركت الإدارات الوسطى على وضعها، مثل الإدارات العامة للتعليم في المناطق، ولكن الوزير الرشيد ناله الأذى برغم أنه ليس هو صاحب القرار! وما لقيه الرشيد واجهه من قبله وبعده الدكتور القصيبي - رحمه الله - ويواجهه وزير العمل عادل فقيه حالياً طالما كان الأمر يتعلق بحال المرأة أو تحسين وضعها والرفع من مكانتها!
ترك الوزير محمد الرشيد عنه القيل والقال، وراح يعمل بدأب ومثابرة، وذهب يبحث عن الخلل في وزارته وسبل تطويرها، فسافر مع وفد تربوي إلى معظم بلاد العالم المتقدم؛ ليدعم وزارته بفكر تربوي متطور ومتحضر، ويرفع من مستوى التعليم في بلاده!
أصبح التلاميذ يعرفون اسم وزيرهم؛ إذ دأب على تهنئتهم مطلع كل عام دراسي جديد، مع حرصه على كتابة توجيهات ونصائح في مقدمة كل كتاب مدرسي، وتوقيعها باسمه مجرداً من كل لقب، ومضى التلاميذ يقلدون توقيع وزيرهم، وزادت مشاعر الانتماء لوزارتهم ولوطنهم، ولاسيما بعد إرساء كتاب السلوك والوطنية لتعليم الطلبة الكيفية الصحيحة لحب الوطن وتدريبهم على مهارات اجتماعية وسلوكيات إيجابية!
أقر برنامج التقويم المستمر للرفع من مستوى الطلبة، وألغى فكرة الامتحانات بهدف إنهاء حالة الهلع والخوف من نفوس التلاميذ، ولكن المعلمين خذلوه؛ إذ لم يكن معظمهم يدرك هدف الوزير، فلم يفهم أغلب المعلمين والمعلمات آليات التطبيق، فكان التقويم فكرة رائدة بتنفيذ رديء! ولم يتسنَّ للوزير تصحيح المفهوم؛ إذ غادر الوزارة، وشعاره لا يزال يصدح بأن (وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة).
رحم الله الدكتور محمد الرشيد؛ فقد كان أيقونة تربوية رائدة!