الاهتمام بالتنمية البشرية وتنميته بالشكل الأمثل جزء رئيس من مكون الدولة ويمكن القول إنه لا توجد حكومة في العالم سواء من تلك المصنفة كدول متقدمة أو غير المتقدمة، لا تدندن حول هذا الموضوع وتضعه ضمن أولوياتها، لأنه ببساطة محور أي تنمية وتقدم. تستطيع الدول شراء الدبابة والإبرة كما تستطيع بناء الناطحات وركوب الطائرات لكن دون تنمية بشرية حقيقية تقود ذلك تبقى أسيرة الاستهلاك وتبقى تنميتها هشة، قابلة للانكسار والاندحار مع أول هزة اقتصادية أو سياسية. التنمية البشرية باختصار تعني بناء الإنسان المنتج والواعي بقيمه الوطنية والإنسانية والبيئية.
بعض الدول نجحت في مساعيها فاستطاعت الوصول إلى مراحل متقدمة في هذا الشأن ليس فقط عبر بناء الإنسان بل عبر تهيئة البيئة الحقوقية والتنظيمية التي تتيح لذلك الإنسان أن يصبح منتجاً ومنافساً. بعض الدول المتقدمة لها تاريخ وباع كبير في هذا الشأن، وبعضها أتى من الخلف فتعلم من الآخرين وصنع نموذجه المتميز خلال عقود قليلة من الزمن.
السعودية ليست أقل شأناً من الآخرين، وتحرص قيادتها على موضوع تطوير التنمية البشرية بشكل غير مسبوق من ناحية الصرف المالي والتوسع الكمي في التعليم والتدريب. لكن هل وصلنا مرحلة الرضا في هذا الشأن؟ هل نستطيع القول بأن العنصر البشري السعودي أصبح منتجاً وقادراً على المنافسة على المستوى العالمي؟ أم أن التنمية البشرية لدينا لا زالت ترتكز على الكم وتقاس بالمصروف عليها بدلاً من أن تقاس بمنتجها النهائي وبتميزها النوعي؟
لكي يتم فهم الإجابة علينا فهم آليات إعداد العنصر البشري، أولاً. إعداد العنصر البشري المتميز لا يحدث في الجامعة ولا يحدث في برنامج الابتعاث ولا يحدث في برامج التدريب ولا يحدث في التعليم العام ولا يحدث في البيت ولا يحدث في المدرسة، ولا يحدث في الروضة والتمهيدي ولا يحدث في كادر التوظيف، بل يحدث فيها جميعاً وبشكل متكامل ومتوازن. هي حلقة متواصلة الإخلال بأحد أجزائها يشوهها ويلغي دورانها الطبيعي. إعداد العنصر البشري يبدأ في فترة ما قبل المدرسة وخلال المراحل الدراسية الأولى، قبل أن يتم تطويره وصقله في المراحل الأخرى. القيم لا تزرع عن طريق الشهادة العليا بل تزرع عبر التنشئة ومنذ الصغر، فهل تعليمنا العام يسير في الطريق الصحيح نحو تنشئة العنصر البشري الفعال؟ هل لدينا رؤية واضحة لما نريده من تعليمنا؟ لما نريده من كل مرحلة وكل درجة وليس فقط ما نريده من منتج نهائي؟
لدينا وزارة التربية والتعليم ورديفها مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، أجدهم يجتهدون لكنني ألحظهم منهمكين في قضايا تشغيلية كمشاكل نقل المعلمين وبناء المدارس وشركات النقل والمقاصف المدرسية والأحلام الوردية للتطبيقات الإلكترونية. ولكن أين هو التطوير في العملية التعليمية ذاتها؟ كم يتقدم تعليمنا على مستوى النوعية؟ هل يحقق الطالب بنهاية المرحلة الدراسية الهدف المطلوب تحقيقه، إذا افترضنا وجود أهداف واضحة؟
التعليم العالي يشتكي مخرجات التعليم العام والتعليم العام يشتكي أداء المعلمين مخرجات التعليم العالي. القطاع التوظيفي يشتكي مخرجات التعليم والقائمين على التعليم يشتكون برامج التوظيف والتدريب. أصبحنا نتقاذف الكرة وكل ذلك يخل بما بدأناه من توصيف، ألا وهو تحقيق التنمية البشرية المطلوبة والمرجوة. التنمية البشرية تعني صنع الإنسان ونريد أن نوقف الحديث عن المصروف والمبذول في هذا الشأن ونلتفت إلى المخرجات والنتائج. هل نجحنا في مجال القوى والتنمية البشرية؟ هذا السؤال الذي أبحث عن إجابته، فهل هناك من يقلص قلقي في هذا الشأن، بشكل موضوعي وعلمي؟