الإعلام عين تعين المسؤول على كشف الخلل.. وشريك إستراتيجي للنهوض بالبلد وبأداء المؤسسات والدوائر الحكومية، ومرآة حقيقية لنقل خدمات تلك الدوائر للجمهور ورصد ردود الأفعال تجاهها لمساعدتها على معالجة أوجه القصور وتحقيق النجاح، لكن للأسف الشديد هناك قلة قليلة من الأجهزة الحكومية وإداراتها الإعلامية من تستفيد من هذا الدور الذي يؤديه الإعلام، فيما تتجاهله الأكثرية الباقية رغم علمها بمنافعه لتطوير أدائها.
بعيدا عن نظرة «الريبة» التي عادة ما يطلقها بعض مسؤولي الأجهزة الحكومية ممن يرون في الممارسات الإعلامية موقفا مغايرا لأهدافهم، محبطا لجهودهم، أو بالأحرى كاشفا لفسادهم!.. وتجاوزا عمن يبدون حساسية مفرطة تجاه النقد في مرحلة تتسم بالشفافية والانفتاح وحرية الرأي.. فإن هناك جهات حكومية تعد نموذجا للتعاون الإيجابي مع الإعلام والاستفادة من الأفكار والمقترحات التي يطرحها الكتاب والصحافيون، والتفاعل مع أطروحاتهم التي تتعلق بتقويم أداء أجهزتها.
والحقيقة أن هيئة السوق المالية هي أحد أهم هذه الجهات التي استطاعت بالفعل أن توجد علاقة شراكة مع الإعلام تتسم بالوضوح وليس لديها أية حساسية من التعاطي مع كل ما يتم طرحه على الرغم من أنها من أكثر القطاعات الحكومية التي كانت ولا تزال ميدانا خصبا للنقد الإعلامي.. أن العلاقة التي أقصدها هنا ليست من باب «الاحتواء الناعم» كما تفعله بعض الجهات مع الصحافيين!، وليس بالإجابة على استفسارات الصحافيين أو الكتاب أو إرسال بيانات مكتوبة أو تعقيب فهذا الأمر مفروغ منه، وإنما بتقبل الأفكار والمقترحات التي يتناولها الصحافي أو يطرحها الكاتب والأخذ بها بعين الاعتبار ودراستها والعمل على ما هو قابل منها للتنفيذ.
هذا الأمر يتضح تماما من خلال الكثير من القرارات التي اتخذتها هيئة السوق المالية أخيرا في أكثر من مناسبة والتي كانت نابعة من مقترحات وتوصيات لكتاب في الشأن الاقتصادي، وهو بلا شك يحمل دلالات بأن لدى الهيئة إدارة واعية وذكية للشؤون الإعلامية لا تكتفي بمتابعة ما يتم نشره، كغيرها من الإدارات الإعلامية في المؤسسات الحكومية الأخرى، وإنما يبدو واضحا أنها صاحبة توجه مشترك مع الإدارات العليا في البحث والمعالجة واتخاذ القرار دون إحداث أي ضجيج أو صخب.
من هنا نقول لمسؤولي الأجهزة الحكومية وإداراتها الإعلامية وظفوا الإعلام في مكانه الحقيقي عيونا لكم، وانظروا إلى موضوعاته المطروحة على أنها أحد أشكال تعزيز تطور المجتمع وتحقيق التنمية الوطنية، ولا تعتبروا ما يتم نشره من نقد وكشف للمستور بمثابة تعمد الإثارة وتتبع للسلبيات، بل هو من أجل تحقيق التغيير الذي يخدم أغراض التنمية، ويسهم في الرفع من جودة الخدمات، لا سيما ونحن في عصر التواصل الذي كسر كل الحواجز بين مختلف شرائح المجتمع.