عندما عمّمت الحبيبة الجزيرة على كتّابها الكتابة في يوم الفساد العالمي الذي يوافق الثامن من ديسمبر ظننت نفسي قديرة على الخوض في هذا الموضوع وأنه لدي ما يمكن أن تفيض به السطور فلا أجد اتساعا ، لكني ولمدة أسبوعين عجزت تماما عن كتابة سطر واحد، كان لدي الكثير من الأسئلة ولم أعرف سبيلا لتصنيفها أو تصنيف كل الأفكار التي تزاحمت في رأسي المثقل بها.
فهل الفساد هو الرشوة فقط واستغلال المال العام واستخدام السلطة أو المركز بغير وجه حق؟
هل الفساد يقتصر على الجانب المالي والإداري؟ ما هو الفساد الذي يمكن محاربته ونهضت الدولة بأمر سيدها خادم الحرمين الشريفين وعبر طرق مختلفة منها هيئة مكافحة الفساد “نزاهة” لمحاربته؟
ربما سأبدأ هنا بالحديث الشريف “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان”
وهنا الدعوة المحمدية منذ أكثر من 1400 عام التي تدعو لمحاربة الفساد والمنكر وقد خاطب النبي الكريم في الحديث الإنسان البسيط، لذا أود أن أتحدث عن دور الفرد في محاربة كل ما يمكن أن نعتبره فسادا ولو على نطاق ضيق يمكن أن يتعملق ويطال شريحة كبيرة من المجتمع ، فما الفساد الذي يمكن للفرد أن يتصدى له؟
عادة ما يطلق على الإنسان الذي له صوت ولا يسكت عما يراه من خطأ “ trouble maker” أي صانع المشاكل ، فهل هذا صحيح وهل هذا يخرج عن دور المواطن والإنسان الذي يجب أن يؤديه؟ ألا يمكن أن نعتبر غياب المعلم المتكرر عن الفصل فسادا بشكل أو بآخر؟ المطعم الذي يقدم وجبات غير نظيفة وغير طازجة والمكان غير النظيف ألا يعتبر هذا فسادا؟ ألا نعتبر الوساطة سواء في إنهاء المعاملات أو غيرها فسادا؟ وهذا ما يمكن للحكومة الإلكترونية أن تنهيه، نظام المشتريات والمناقصات الحكومية، العامل الذي يأتي للمنزل مرارا لتصليح أو تركيب قطعة وتتكرر المشكلة ، الأخطاء الطبية، الزميل الذي لا يأتي في موعد عمله ولا يؤدي دوره وواجبه الوظيفي، المسؤول الذي لا حول له ولا قوة في تعديل الوضع الخاطئ تمسكا بمنصبه، السكوت عن العمالة المخالفة واستخدامها، فلو تكررت الأمور الصغيرة من حولنا ولم نشر إليها أو نحتج فهذا فساد نحن مسؤولون عن توغله واستمراره ونتائجه، المواطنة الحقيقية هي التي تدفع المرء للمطالبة بحقه أو تأدية حقوق الآخرين والمجتمع، هي التي تجعله يبدأ بنفسه ولا يتوانى عن الأمور التي يمكن أن يقوم بها للتغيير صاحب قرار.
الفساد لا يمكن أن ينتهي دون عمل جماعي ومسؤولية مجتمعية، الفساد ينتهي بتحديث الأنظمة ، وأن تبدأ حيث انتهى الآخرون وفي النهاية القيادي المناسب في المكان المناسب.
من آخر البحر
كنت آتيك من نوافذ السماء
أتشكل من رماد نجومها مثل حوريات النور
أتساقط كسفا
أهطل من بطن الغيمات
أوقظ أحلامك.. أسرارك أهديها للريح تبعثرها
تدغدغ أهدابك..
لكنك.. لا تصحو وتنام
أهمس .. لا تسمع
وأنادي فيجيب النسيان
أحمل أشيائي أعرج للعتمة حتى تبلعني العتمة
وتمر سنون النسيان عجافا
وتموت الأشواق