هذا المجتمع بعوامل فطرته, وتنشئته, وتدينه، يميل أفراده كثيراً لفعل الخير, فأيديهم بسرعة فائقة تندس في مخابئهم، وحقائبهم لإخراج ما يملكون، أو مما يملكون وإن كان من وُجْدِهم يقدّمونه لأي يد تمتد إليهم.., بدءاً ممن يسأل في الشارع، ومن يحوم حول عرباتهم، أو من يطرق أبوابهم, أو يعترض سيرهم..
وتزيد درجة حرارة نخوتهم حين تكون الاستعانة بهم مدعمة بالحاجة, دَينْاً قاصماً.., أو فقراً قاتلاً.., أو حرجاً مُفْحِماً..,
فيتلاهفون للمساعدة عن كل السبل..
بل يشنّفون آذانهم لكل من يفتح لهم مجرى صوته ليبلغهم عن باب لمحتاج, في قناعتهم أنه ينبغي لهم أن يمدوه..
وكثيرة تلك الأبواب التي يدفعون إليها بما عندهم..وهم لا يدرون ما خلفها..!
هذا جعلهم في نظر الآخرين «سُذّجاً»،
وشجَّع على الاستغلال لهذه المزية فيهم،..
وأوقعهم فيما مضى في وخيم نتائج هذه «السذاجة»..., وهي بعبارة أكثر لطافة «الطيبة»..!!
ليس لأن فعل الخير لا يأتي إلا عن ساذج..,
بل لأن فعل الخير لا ينبغي أن ينصرف له الجهد, والمال إلا بوعي ومعرفة بحاجة من يحتاج صدقاً..,
لأن الهدف من فعل الخير هو إقالة عثرات واضحة,.. وتسديد حاجات بيّنة نضوي في قيمة التكافل الذي يسعى له المؤمنون حقا..!
فالعارفون بقيمه، وشروطه.. يعون تماماً أن فعل الخير واجب يفرضه الإيمان، وشعيرة أخلاق يحبها الله ويرضاها بين خلقه....
غير أنه لم يطلق العنان فيه لأي مسلك في منظومة قيم، وتعاليم المدرسة المحمدية، إذ بيّنت الحدود، والشروط، والجزاءات في كل قيم التعامل بين البشر, بما فيها شعيرة فعل الخير بمفهومه الدقيق.., وتطبيقاته الجلية, وحددت جهات استحقاقه..
فعل الخير هو للإعانة على العيش الطيب، وليس على العبث بالناس.., والفساد بمقدرات الله لهم في الأرض..
وقد جاء علينا حينٌ من وقت لم نكن «بطيبتهم» نتخيل أن ما يقدّمونه كان تمويلاً للمفسدين في الأرض..
والناس الآن تعي تماماً أن ليس كل من سأل فهو محتاج..
هناك من يجمع المال ليقتني ما يطعن به صاحب المال..
ومن يهدم البناء الذي شيّده بالمال ذاته..,
والأدهى من يزهق الأرواح بما قدّمته أيدي آبائها، وأمهاتها..
لذا ينبغي أن تُعاد صياغة السلوك العام مع مفهوم «فعل الخير»..
بأن تُشذب «الطيبة»،.. تُطهر من « السذاجة «.., وأن يعي الجميع بأن المؤمن كيِّسٌ, بصير..
وبأن هذا الدمار الذي من حولنا، ينبغي أن تجفّف موارد توقده..
كيلا يكون منا من زاد في حطب نار تشرد الصغار، ومذابح الاطمئنان..
مع أن في الواقع هناك في الطالبين للمال من يحتاج للخير من أولئك المشرّدين، العزّل, ساكني أطراف المدن، والكهوف, والمثقلين بذنوب الأشرار فيهم, إلا أن تنظيم إمدادهم تحت مظلة رسمية كما دعا إليها بيان وزارة الداخلية الأخير, فيه ما يعين على استمرار فعل الخير، ولكن دون مساس بما هو خلف الأبواب.. وداخل الصدور مما يخفى على عامة الناس..
هذا يحقق فعل الخير بوعي, وأحقية..وتنزُّه..