تفشي الغش في الأسواق ليس ظاهرة جديدة، ففي عالم التجارة هناك - للأسف - حافز يدفع التجار لارتكاب الغش! ليس كلهم، بالتأكيد، ولكن نسبة لا يستهان بها أبداً.
هذا الحافز اسمه «الربح»، وهو حافز أعمى لدى البعض، كما أنه حافز مخاتل يتلبس صوراً عديدة رمادية تنطلي على التاجر نفسه فيتصور أنه يمارس «التجارة» لا «الغش». وفي علم النفس هناك ما يُعرف بـ«الحيل النفسية» وذلك عندما ينزلق الإنسان مع رغباته الأنانية الشخصية ويبرر سلوكه غير السوي إلى أن يتعود عليه فيتصور أن ما يفعله هو سلوك طبيعي لا غبار عليه!.
سيأتي من يقول إن دِين التاجر وأخلاقه يمنعانه من الغش، وهذا صحيح إلى حدٍ ما، لكن ما يردع الغشاشين ويخيفهم هو «القانون» قبل أي شيء آخر. والمقصود ليس هو القانون المكتوب في الأوراق وإنما القانون الحازم الصارم المطبق، والعقوبات «العلنية» التي تجعل الغشاش عبرة لمن تغريه أنانيته على ارتكاب الغش. أما التستر على الغشاشين، تجنباً للتشهير الذي يرى البعض انه عقوبة متعدية، فذلك يغريهم على معاودة الغش.
وفي قطاع الخدمات يكون الغش أكبر وأكثر غموضاً منه في قطاع السلع؛ لأن المستهلك يستطيع في الكثير من الاحيان تمييز السلعة السليمة عن السلعة المغشوشة. اما في قطاع الخدمات فيمكن أن يقع المستهلك ضحية للغش ولا يكتشف الأمر أبداً أو قد يكتشفه لاحقاً بعد أن يصبح من المستحيل إصلاح الضرر الذي وقع عليه أو حتى إثباته.
ولعل أحد أشهر الأمثلة على ممارسات الغش في قطاع الخدمات هي وِرَش إصلاح السيارات. فعندما تودع سيارتك لدى بعض هذه الورش تفاجأ بعد حين أن هناك من سرق القطع السليمة الأصلية واستبدلها بقطع مقلدة أو قطع قديمة من تلك التي يشترونها من محلات «التشليح» ثم يعيدون بيعها بأسعار مضاعفة!
وفي ورش السيارات قد يقع المستهلك ضحية الغش عندما يأخذ سيارته لتغيير الزيت فيبيعونه زيتاً مغشوشاً يدمر محرك السيارة. ومثل ذلك عند تغيير إطارات السيارة حيث يتم «ترميم» إطارات قديمة وتسويقها على بعض المستهلكين ممن قد لا يميزون بين الفروق الدقيقة بين الأصلي والمقلد والمغشوش والتالف.
هذا الغش المتفشي يتطلب ملاحقة الأجهزة الرقابية، وتطبيق النظام، والتشهير بالمخالفين. ومن المؤكد أن تحقيق ذلك ليس بالمهمة السهلة نظراً لتعدد الأنشطة واختلافها وسعة انتشارها وغموض الأساليب التي يتبعها الغشاشون. ولكن المطلوب، على الأقل، المحاولة الجادة. فعلى سبيل المثال، لا أعلم أن هناك متابعة صارمة لورش إصلاح السيارات رغم أن الجميع يحتاج إلى خدماتها بشكل مستمر!.