حسناً فعل خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - عندما دعا وزارة الداخلية، ووزارة العمل على منح العمالة المخالفة مهلة لترتيب أوضاعها، وإعطاء الفرصة لتوظيف المواطن السعودي، لكن الجميع يتساءل وخصوصاً المواطن العاطل، الذي لا يجد عملاً عن السبب في عدم توفر الوظائف له بعد الحملة الكبيرة على العمالة المخالفة والسائبة، والتي قد دفعنا تكاليفها من جيوبنا، ومالنا وأمننا واستقرارنا واقتصادنا.
من حقنا ملاحقة المخالفين وتطبيق القانون عليهم، وليس من حقنا أن نتهاون بالقانون معهم، وعلى جميع المؤسسات والشركات ضرورة تصحيح أوضاع عمالتهم، لتطهير السوق من العمالة المخالفة لأنظمة البلد، وما زلنا نعاني من التستر وتنظيم العمالة، ولكي نغطي هذا الموضوع من عدة جوانب، يجب أن نسأل أنفسنا عدة أسئلة عن التخلص من هذه العمالة، ومن المسؤول عنها، ومن منح التأشيرات لها؟ فهل وزارة العمل مسؤولة عن تفشي هذه الظاهرة؟ فالحملة تحمل في طياتها واجباً وطنياً من الناحية الأمنية، والاقتصادية والاجتماعية.
لا يكفي أن نرحل المخالفين لنظام العمل دون دراسة حاجات السوق من الأعمال التي لا يقوم بها المواطن السعودي، فمن يقوم بعملية تصحيح الأوضاع، يجب أن يقوم بتأسيس شركات توفر العمالة النظامية بمبالغ معقولة، وليس بطريقة استغلالية، وكذلك التأكد من احتياجات المواطنين من الوظائف، وكذلك حاجات المؤسسات والشركات من العمالة، وخصوصاً في مجالات الصيانة والمقاولات، فهي تحتاج إلى عمالة يندر شغلها من قبل السعوديين، فلا يعقل أن أوظف جامعياً في وظيفة عامل.
كل هذا يحصل في ظل ضعف التخطيط الاقتصادي، وعدم وجود رؤية واضحة في سوق العمل، وبسبب تعدد الجهات تفاقمت المشكلة، واصبحنا لا نستطيع توفير الوظائف للمواطنين، ولا السيطرة على العمالة المخالفة، بالإضافة إلى هروب العمالة وعدم المتابعة والرقابة من الجهات الرسمية، وليست وزارة العمل فقط، هناك جهات أخرى مسؤولة أيضاً، كانت تمرر التأشيرات، وتصاريح العمل لمن يتاجر بالعمالة وينشرها في شوارعنا لتعمل من خلال كفلاء وهميين.
مؤسسة صغيرة على سبيل المثال لا تحتاج لأكثر من ثلاثة عمال، منحت الحق في استقدام مائة عامل، وترك بعضهم يصول ويجول دون رقابة مقابل 300 ريال شهرياً يدفعها العامل لكفيله، وهذا العامل راتبه حسب العقد لا يتجاوز 600 ريال، ترى ماذا عساه أن يعمل ليؤمن للكفيل هذا المبلغ ويسدد ثمن التأشيرة عندما قدم للسعودية وثمنها ما بين 10-20 ألف ريال، ترى كيف سيسدد هذا المبلغ لدائنيه.
هذه العمالة زاحمت المواطن في لقمة عيشه، ونتج عنها كثرة حوادث السرقات، والجرائم على اختلاف أنواعها، وتجارة الخمور والدعارة والتزوير، مما جعل بلدنا يغرق بالعمالة السائبة دون رقابة، فأصبحوا يتاجرون بالإقامات المزورة، ومرة بالشهادات المضروبة، والعملات المزورة، وبيع اللحوم المتعفنة، وللأسف فإن بعض السعوديين يطلب منهم تسويقها بنجاح وبأسعار عالية، الذي يفترض أن نكون عوناً للدولة بعدم تشغيل عمالة هاربة.
في أمريكا وفي معظم الدول الأوروبية نظام دقيق ومنظم لعمل الأجانب في بلادهم، أما أن يوجد في بلادي أكثر من 2 مليون عامل مخالف لأنظمة الإقامة والعمل، وهذا ضعف في التخطيط الاقتصادي والمالي.
نحن نحتاج إلى تنظيم كبير، وإيجاد فرص مناسبة لوظائف المواطنين وخصوصاً مع الميزانيات الضخمة التي تصرف على التعليم، حيث إن مخرجات التعليم لدينا لا تواكب سوق العمل السعودي، وبالتالي فإننا بحاجة الى إعادة الرؤية في ربط مسار التعليم من خلال إستراتيجية واضحة، لتنمية القطاع الخاص وقدرته على خلق وظائف للخريجين، وكذلك الاهتمام ببرامج التدريب، والتطوير، ويجب توحيد رؤية واضحة لسعودة الوظائف، وأن تتحد الجهود لخلق فرص عمل لجميع المواطنين من خلال جميع الوزارات، والمؤسسات، ودعم الشركات الوطنية الخاصة بتوطين وسعودة التوظيف.