لدينا عبارة شعبية دارجة، ترمز إلى موت الإنسان بسبب غير منتظر. مضمون العبارة يتجسد في قولهم عند حدوث مثل هذه الحالات «مات فلان على أهون سبب». المقصود بها طبعاً تلك الحوادث الناتجة من الإهمال البشري، وما أكثر نوعية هذه الحوادث لدينا. للأسف، تقع الحادثة هينة السبب كالصاعقة، فلا هي على البال ولا على الخاطر، وتؤدي إلى وفاة أشخاص يأكلون أو يشربون أو يلعبون أو يرفهون عن أنفسهم. حوادث محزنة ليست بفعل تصادم أو انقلاب سيارات أو سقوط طائرة أو انهيار مبانٍ أو اشتعال نيران هائلة، وإنما من عينة تلك الحوادث التي تداهم الإنسان في لحظة سكينة، يكون فيها آمناً مطمئناً في مكانه، وفجأة تباغته سيارة مسرعة منحرفة عن مسارها، أو لوح طائر في الهواء نتيجة الرياح الشديدة فيقطع جسده إلى نصفين، أو ينزل على رأسه سقف مهترئ فيحوله إلى جثة هامدة.
يمكن تصنيف وفاة السيدة الخمسينية في مهرجان الغضا بعنيزة بأنها من حوادث الإهمال واللامبالاة؛ فقد تسبب سقوط قطعة صلبة من بوابة القرية التراثية بالمهرجان في وفاة السيدة - رحمها الله وجبر مصاب ذويها. كل ما في الأمر أن عاصفة شديدة اقتلعت البوابة غير المثبتة بشكل سليم، يعني «ملصقة»، وألقت بالقطعة الصلبة المثبتة في البوابة دون إحكام على رأس السيدة؛ لتنتقل في الحال إلى العالم الآخر، وسط ذهول وصدمة من حولها.
بعيداً عما سببته الحادثة المؤسفة لزوار المهرجان من خوف وهلع وهم يشاهدون فصولاً مؤلمة لسقوط سيدة بريئة من المتنزهات، إلا أن كل ردود فعل المتنزهين لن تصرفنا عن التفاصيل الرئيسية للكارثة، وأهمها السيدة - عليها رحمة الله - والمسؤولون عن سلامة الزوار. أجزم بأن هناك من سيبرر ما حدث بالقضاء والقدر، وأن السيدة قد ماتت في يومها، ويجب على الجميع الإيمان والتسليم. كل هذا الكلام صحيح، وليس لدينا اعتراض عليه، لكن القضاء والقدر - كما نعلم ونفهم - لا يتنافى مع فعل الأسباب، وأقل هذه الأسباب توفير شروط السلامة كاملة غير منقوصة في مهرجان، يُفترض أنه يشهد ازدحاماً كبيراً من الزوار القادمين من مختلف مناطق المملكة ومحافظاتها. الشروط التي أقصدها تشمل بناء المنشآت الثابتة وغير المتحركة بطريقة سليمة، وعدم وضع القطع الصلبة فوق رؤوس الداخلين والخارجين، وتأمين عيادة طبية متكاملة، تباشر الحالات الطارئة بدلاً من الانتظار الطويل لنقل المصاب لمستشفى المدينة؛ فقد لا يصل للمستشفى إلا وقد فارق الحياة، وهو ما حدث للسيدة - غفر الله لها.
الزائر يأتي لمثل هذه الاحتفاليات للترفيه وقضاء وقت جميل وممتع، وقد وضع في تصوره أن كل شيء سيجده على ما يرام، وأن المسؤولين قد أكملوا الاستعدادات كافة، ووفروا كل سبل الطمأنينة والسلامة، واستنفروا كل قواهم وما يملكون من موارد لمواجهة تلك الأمواج البشرية، ثم يفاجأ بحادثة تسبب في وقوعها من بنى بوابة القرية وربما أنه لم يثبتها بالصورة المطلوبة.
تساؤلات تطرح نفسها حول إقامة المهرجان دون تنفيذ اشتراطات السلامة؟ وهل سمح الدفاع المدني للمنظمين بإقامة المهرجان دون التأكد من توافر تلك الاشتراطات؟ وهل للعجلة بسبب الاستعدادات المتأخرة وضغط الوقت دور في الظهور بشكل غير لائق؟ يجب أن يتحدث المسؤولون عن ذلك.