كتبت في هذه الزاوية يوم السبت الموافق 11-5- 1434هـ مقالا بعنوان «ضحايا فتاوى التحريض». أكدت في ذلك المقال أننا لن نجد من بين المحرضين واحدا من مشايخ هذه البلاد وعلمائها المعتبرين لدى الدولة وعقلاء المجتمع ومواطنيها المخلصين، وذكرت أن من يقومون بالتحريض شيوخ غير معروفين إلا ما ندر، ومنهم من يعمل لحساب تيارات سياسية تتحرك تحت ستار الدين في الداخل والخارج.
الأستاذ داود الشريان في برنامجه الثامنة بعث نفس الموضوع وفتح ذات الملف الشائك، ومن الطبيعي أن يلاقي تلك الردود الهادرة فقد وضع يده تماما في «جحر الداب». بعض من لهم مقولات تحريضية محفوظة في اليوتيوب وتويتر هاجموا مقدم البرنامج وطالبوه بالإثبات، بل إن بعضهم قد ذهب إلى أبعد من ذلك بأن وصف الحلقة وبطريقة ساذجة بالمسرحية، وشكك في شخصية أم محمد، وكذب دموع داود، ونفى أن تكون له أي علاقة بالتحريض.
ما بثه البرنامج لا يمثل إلا عينة مما يدور في الخفاء. الوضع خطير والسكوت عليه لا يزيده إلا سوءا لمزيد من الهدر لشباب الوطن، ولمزيد من اختطاف الشباب الغر من أحضان أمهاتهم، ومن بيوتهم الآمنة، ومن أعمالهم، ومن مدارسهم. «أم فهد»، و»أم محمد» وهن من ورد ذكرهن في البرنامج لسن كل الأمهات لكنهن عينة من المئات من الأمهات والزوجات والأخوات المكلومات على أبنائهن الذين غادروا ربما إلى غير رجعة باسم جهاد هو في حقيقته قتال تحت رايات غير معروفة فلا يدري أحدهم هل هو مع داعش أم مع جبهة النصرة، وهل من يموله إيران أم القاعدة؟ وهل من يديره الشبيحة أم الشيعة؟ شباب في عمر الزهور يستدرجون من عصابات حرب لرميهم في ساحات القتال دون هدف جهادي، وإنما أهداف دنيوية لنصرة محاور الشر، من يقتل منهم أفضل حالا ممن يتم أسره ليرمى في السجون يرزح تحت نيران التعذيب وفعل الفواحش!
رغم أننا عشنا حالات مشابهة أثناء حروب أفغانستان والشيشان والعراق إلا أننا لم نستوعب الدروس ففي كل مره نعود إلى نقطة الصفر والمربع الأول من جديد. لعلاج هذه المشكلة لا بد من استيعاب كافة أبعادها، وتحليل عناصرها لمعرفة من يقومون باستدراج الشباب وتحريضهم، وما وسائلهم، وما المحاضن التي من خلالها يستقطبون الشباب لإعادة برمجة عقولهم قبل رميهم في تلك المهالك، وما الجهات الداخلية والخارجية التي تمولهم، ومدى ارتباطهم بالجماعات الإرهابية؟
من هنا سنعرف أن دور بعض الشيوخ إصدار الفتاوى التي تسوغ لتلك العصابات تصدير الشباب. التحريض هنا يأخذ طابعا جماعيا يتمثل في جناحين، الأول يتولى الإفتاء الذي يبرر القيام بالعمل تحت غطاء الدين، والثاني مهمته إقناع الشباب أو قسرهم ثم تصديرهم كدروع بشرية في عملية استنزاف لمقدرات الوطن من أبنائه الذين يعول عليهم الكثير.
تفكيك شبكات التحريض يتطلب عملا مستمرا من كل الجهات ذات العلاقة لمعرفة أدق التفاصيل عن ما يدور في الخفاء من عناصر التحريض السعوديين والمقيمين لتجنيب البلاد الهدر المتواصل في عناصرها البشرية، والعمل على إعادة بعض الشباب بأسرع وقت، وتنظيم برنامج لتوعية الشباب بمخاطر الذهاب لتلك الجبهات.