هل سألت نفسك يوم ماً، لماذا يلجأ الغربي خاصة لمصادقة الكلب أو القط أو غيرهما أعزّكم الله؟.
أجزم أنك تدرك سرّ ذلك، وأظن أنك وأنت تعيد التأمُّل في فحوى هذا السؤال تتعوّذ من حالهم وتسأل الله السلامة، وأنا معك في هذا، ولكن لتسمح لي أخي الكريم أن نبحر معاً في عالم الاحتمال وصولاً إلى الهدف الذي أريد التركيز عليه في هذا المقال.
ترى من الذي يقوم على خدمة الوالدين في غالبية أُسرنا السعودية خاصة عند كبرهما ؟،
أعتقد أنّ الإجابة باتفاق - إذا نحن صدقنا مع أنفسنا - هم الخادمة والسائق خاصة في البيوت ذات القدرة المالية والثراء، بل يتعدّى أمر الخدمة إلى الملازمة والمؤانسة وللأسف الشديد، وقد يمضي الولد أيام أسبوعه بل ربما أكثر من ذلك بكثير وهو لم يشارك والديه أو أحدهما غداءهما أو وجبة العشاء !!.
هذه الأيام هناك حملة عالمية على الاتجار بالبشر، ومطالبة حقوقية دولية بإلغاء نظام الكفيل المعمول به في دول الخليج .. على افتراض أنّ الضغط العالمي نجح في سحب بني الإنسان الوافد إلينا من بلاد آسيا أو أفريقيا لكسب لقمة العيش بالحلال والذي يعيش وسط بيوتنا ويقوم على خدمتنا والعناية بوالدينا، أقول لو تحقق ذلك فلمن سنكل أمر خدمة وملازمة وإيناس وحشة الأب والأم في وحدتهما حين كبرهما؟.
أتمنى ألاّ يكون الجواب مٌراً، وألاّ يصل بنا الحال إلى البحث عن الحيوان للمؤانسة وطرد شبح الوحدة والتخلُّص مع دنيا الاستيحاش لا سمح الله.
إنني هنا لا أعقد مقارنات حاشى لله، ولا أضرب الأمثال وأتيه في عالم التخرّصات والتخمينات التي لا أساس لها ولا وجود إلاّ في ذهنية أمثالي، ولكنني أحببت أن أشارك جهدي في بذل النّصح لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فرعاية الكبار واحترام مشاعرهم ومراعاة حالهم أمرٌ هام، أكد على وجوب العناية به والاهتمام دين الإسلام، فكيف إذا كان الكبير أُماً أو أباً!؟.
قادني إلى كتابة هذا المقال وعرض الأمر بين يديْ القارئ الكريم، قصص مؤذية سمعتها وتناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام وجزماً وصل لكم طرفٌ منها، وعند البعض منكم أكثر مما أعرف، وهي في نظري إفراز وانعكاس للطفرة المادية التي ننعم بها ولله الحمد والمنّة، تحكي بكل مرارة وأسى حال الشاب السعودي في تعامله مع والديه، في ظل إيقاع الحياة المعاصر، والسباق مع الزمن لهثاً وراء رفع الرصيد المادي، وتعزيز المنزلة الاجتماعية وتقوية المكانة الوظيفية و...!!.
أسألكم بالله هل يمكن أن يتصوّر أحد أن يُسجن شاب نشأ في هذه البلاد وعاش بيننا منذ الميلاد وحتى شبّ على الطوق جراء ثبوت قضية عقوق في حقه؟.
هل تتصوّرون شاباً يضرب أُمّه أو يقتل أباه؟
قد يقول قائل هذه حالات فردية لا يمكن أن توضع في دائرة التمحيص والفحص ومن ثم تخضع للمدارسة والتحليل، وما علم هذا أنّ مجرّد حدوث حالة واحدة في مجتمع كالمجتمع السعودي، مؤشر واضح على تبدُّل في القيم وفساد في الطّبع وخلل في البناء وضعف في التربية وقصور في الإرشاد والتوجيه، تتحمله مؤسسات التنشئة الاجتماعية جميعاً بلا استثناء وعلى قدم المساواة.
وربما قال آخر إنّ هذا من مواضيع النّصح التي يطرقها الخطباء في يوم الجمعة والوعّاظ في المساجد والملتقيات، ونسى أو تناسى صاحب هذا القول أنّ بناءنا الاجتماعي ونسيجنا المجتمعي والذي يُعَد الأس لكل نشط نهضوي وعمل حضاري، يقوم في الأساس على سلامة العلاقات ومتانة وقوة الروابط بين أركانه «أصوله وفروعه» كباره وصغاره، ومتى كان هناك خلل ما في هذا البعد بالذات، فإنّ عوادي السقوط ستكون لنا بالمراصد.
إنّ كياناتنا الأُسرية في خطر، وبيوتنا مهدّدة من داخلها، ومن المفيد التذكير بحق هؤلاء الكبار، حتى لا يأتي اليوم الذي يصير فيه من هم في سنِّي بعد أن يقعدهم المشيب ويأسرهم التقاعد، عرضة للغربة وما يتبعها من وحدة ووحشة وانحطاط، فيبحثون عن صداقة الحيوان أو أنهم يصيرون أسارى دور العجزة ومقار كبار السن. اللهم ارزقنا برّ آبائنا ووفّقنا للقيام بما هو واجب علينا يا رب العالمين، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.