قضت حكمة الله وأرادت مشيئته سبحانه وتعالى أن يجعلنا نحن بني آدم شعوباً وقبائل لنتعارف، وذكوراً وإناثاً لنتكامل، وأغنياء وفقراء لنتكاتف ونتآزر، وشرع من أجل هذا الأمر الهام في دنيا الناس الصدقة المندوبة والزكاة الواجبة، ومع إيمان الجميع بأهمية هذا الركن العظيم من أركان الإسلام الخمسة، ومع يقينهم القطعي بأثر إخراج الزكاة على استقرارهم الذاتي والمجتمعي، النفسي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي و.... إلا أن هناك في عالم الواقع تقصيراً وخللاً يحتاجان إلى تذكير للبعض، وتوجيه وإرشاد وتوعية وتثقيف للبعض الآخر.
إن الزكاة تتعدى كونها عملاً تعبدياً لله يطلب مخرجها الأجر من الرب عز وجل إلى اعتبارها مقوماً أساسياً من مقومات الأمن الوطني وسبباً مباشراً في تقليل نسبة الجريمة وتحقيق الود بين قطبي المعادلة في هذا الباب «الغني والفقير»، ولك أن تتصور لو أخرج أغنياء بلادنا المباركة ما هو واجب شرعاً عليهم في مال الله الذي استخلفهم فيه وسيحاسبهم عليه، فماذا سيكون عليه حال الأمن الداخلي والرضا النفسي والاقتصادي؟
في بلاد غربية كثيرة يشهّر بمن يتهرب من إعطاء الضريبة الواجبة، ويعاقب من قبل النظام بسلب بعض المميزات التي كان يتمتع بها منه، ليس هذا فحسب بل يظل هذا الجرم يلاحقه طوال حياته وربما حرمه من تحقيق آماله الوظيفية وتطلعاته الشخصية، ونحن مع أن المرجعية في هذا النصيب المفروض هي النصوص الشرعية التي قال بها الرب سبحانه، الخالق والعالم والمقدر لكل ما هو خير للإنسان في الحال والمآل.. مع هذا فلا عقوبة تذكر، ولا حملات توعية وتذكير تقام.. وعلى افتراض طرح هذا الموضوع المفصلي والهام من قبل أحد الخطباء على منبر الجمعة فإنه يعرض لها من منطلق ديني صرف دون التعرض لبعده الاقتصادي وأثرها الحقيقي في استقرار وأمن وسلامة المجتمع المحلي الذي يعيش فيه الطرفان.
لقد صدر المرسوم الملكي الكريم رقم «31» في 27-2-1376 هـ 2-10-1956م، أمرنا بما هو آت:
المادة الأولى: تستوفى الزكاة كاملة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء من كافة رعايانا السعوديين على السواء، كما تستوفى من الشركات السعودية التي يكون كافة الشركاء والمساهمين من السعوديين،كما تستوفى أيضاً من الشركاء السعوديين في الشركات المؤلفة من سعوديين وغير سعوديين.
المادة الثانية: ينتهي العمل بالمرسوم الملكي رقم 17-2-28-8634 وتاريخ 29 جمادى الثانية 1370 هـ، والمرسوم الملكي رقم 17-2-28-8799 في 8 رمضان 1370 هـ.
المادة الثالثة: ينشر هذا المرسوم ويعمل به ابتداء من غرة محرم 1376 هـ 8-8-1956م، ويصدر مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية القرارات اللازمة للتنفيذ.
هذا هو النص المرجعي الذي تبني عليه مصلحة الزكاة والدخل أعمالها والموجود في موقع المصلحة الإلكتروني، ومع ذلك فقد ذكر في «الأهداف والمهام»: (أنها تتلخص في تحقيق وجباية الزكاة الشرعية على عروض التجارة من المواطنين السعوديين ورعايا دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتحقيق ...)!!، (...علماً بأن المصلحة تقوم بإيداع مبالغ الزكاة التي تحصلها أولاً بأول في حساب خاص لدى «وكالة الضمان الاجتماعي» للصرف منها على مستحقي الزكاة المسجلين لدى الضمان الاجتماعي)!!.
عندي أن الذراع التوعوي بأن الزكاة ليست فضلاً ولا منة من الغني للفقير بل هي حق له فرضه رب العالمين والتذكير بأهمية إخراج الزكاة كاملة غير منقوصة ما زال ضعيفاً، كما أن هناك أنشطة كثيرة ليست من عروض التجارة ترك الأمر فيها في هذه البلاد لصاحب المال فأين أثرها في تغيير خارطة الفقر في بلادنا المملكة العربية السعودية؟!، إضافة إلى هذا وذاك فإن من الواجب -في نظري- تعريف شريحة المستفيدين من الضمان الاجتماعي بأن هذه الأموال هي في الأصل جبيت من زكاة شرعية لها وجوه صرف محددة في الثمانية الوارد ذكرها حصراً في سورة التوبة «60» كما هو معلوم، حتى لا يأخذها إلا من هو مستحق له.
أتطلع وأنا أختتم هذا المقال إلى ميلاد مشروع وطني شامل ومتكامل يعيد النظر في خارطتنا المالية بميزان العدل الرباني ومن خلال أسس ومرتكزات ربانية واضحة ودائمة، يكون لهذا المشروع الهام في نظري رؤيته ورسالته وأهدافه الشرعية والوطنية والشخصية وتشارك فيه جميع الوزارات والهيئات ذات العلامة لعل الله أن يجعل على يد هؤلاء جميعاً ما يتطلع له ولي الأمر ويتمناه كل مواطن مخلص يتوق إلى تقريب الفجوة بين الطبقات الاقتصادية وإشاعة الود والمحبة بين طرفي معادلة الثراء في المجتمع ومن ثم ديمومة أمن واستقرار وسلامة الوطن وسعادة وطمأنينة المواطن أينما كان في أرض وطننا المعطاء المملكة العربية السعودية ودمت عزيزاً يا وطني، والسلام.