ليس هناك مفر سوى الاستعداد لمواجهة التحديات التي سوف تواجهنا مستقبلاً، خصوصاً أن عدد سكان المملكة يتضاعف خمسة ملايين نسمة كل عشر سنوات، وهذا يعني بأن مواردنا النفطية سيكون عليها ضغط داخلي كبير، الأمر الذي يعني ضرورة التفكير والتخطيط، والعمل لضمان مستقبل أبنائنا، وهذا يتطلب عدة أمور من بينها تشجيع الإنتاج والاستثمار، وخفض الاستهلاك.
الاستثمار النوعي في التعليم الجديد والاقتصادات الرقمية والتقنية، وتوظيف أمثل لمواردنا وقدراتنا المالية والبشرية، سيحقق عائداً موازياً للإنتاج النفطي وبما يجعلنا أو يحفظ لنا وجودنا كقوة اقتصادية وسياسية، في وسط إقليمي ودولي لا يعترف إلا بالأقوياء، ولهذا نلمس غياب التخطيط، فيما يتعلق بالكهرباء من حيث الإنتاج والاستهلاك، وهذا يضاعف قلقنا على اقتصادنا الوطني، في ظل هذا الغياب غير المبرر للتخطيط الإستراتيجي.
يُواجه إنتاج الكهرباء في المملكة تحديات كبيرة، وأصبح نموه في ارتفاع مستمر وبنسب عاليةٍ جداً تتراوح بين 7% إلى 10%، وتقدر تكلفة تشغيل الكهرباء بقيمة تصل إلى 50 مليار ريال، في السنة وفد تصل في عام 2020 إلى أكثر من 150 مليار ريال، ويتوقع أن يزيد الاستهلاك ليصل في عام 2030م بما يزيد على 10 ملايين برميل يومياً بقيمة تُقدر يـ 250 مليار ريال.. كل هذا الهدر في الطاقة، والنفط يُمثّل هدراً لمواردنا ومنتجاتنا النفطية ويعود بخسائر هائلة على اقتصادنا.
الدولة - أعزها الله - تدعم قطاع الكهرباء بـ 70 مليار ريال سنوياً، لكن ما زالت شركة الكهرباء تنتج الكهرباء بوسائلها القديمة وتستخدم مولدات ضعيفة القوة تعمل بأقل من نصف طاقتها الإنتاجية والمملكة تخسر أكثر من 200 مليار دولار سنوياً، لأن شركة الكهرباء تحصل على النفط بقيمة 10 دولارات، بينما يُباع في الخارج بسعر 110 دولارات، لذا يفترض البحث عن حلول عملية للتعامل مع إنتاج الكهرباء والتي قد تساعد للحد من الإسراف في استهلاك النفط بوسائل مبتكرة ومطورة وذات جدوى اقتصادية.
نحن نحتاج إلى ترشيد وخفض استهلاك الكهرباء، فقد تجاوزت معدلات الاستهلاك في المملكة المعايير الدولية، وأسهمت في ضياع جزء كبير من مخزوننا النفطي، ومع ذلك ما زلنا نعاني من انقطاع الكهرباء عن الكثير من مدن المملكة، وبخاصة في فصل الصيف، فترشيد استخدام الطاقة سيقلل من تكلفة الكهرباء ويخفض مستويات التلوث ويسهم في توفير الكثير من مصاريفنا ويحافظ على ثرواتنا.
حسب توقعات الخبراء أسعار النفط سترتفع خلال السنوات القادمة، والغريب أن شركة الكهرباء آخر من يعلم ويفكر في ترشيد الكهرباء ويبحث عن مصادر طاقة أخرى وبديلة عن الطاقة العادية، فلماذا نسمح لشركة الكهرباء بإحراق نفطنا ومواردنا، وبالإمكان إيجاد البديل وبتكلفة أقل لتوليد الطاقة الكهربائية، وعلى سبيل المثال الطاقة الشمسية، إذ يفترض أن تلتزم شركة الكهرباء بترشيد استهلاك النفط، والسعي إلى إيجاد مراكز بحوث للطاقة وعلى رأسها الطاقة الشمسية وتقنية النانو.
المملكة مؤهلة بما تمتلكه من مزايا متنوعة لتكون مصدراً دولياً للطاقة والاستفادة من الطاقة الشمسية الهائلة التي تتمتع بها وخصوصاً الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتقنية النانو المتطورة في مجال إنتاج الكهرباء، وكذلك تمتعها بموارد مالية عالية تمكنها من تطوير التقنيات التي تسهم في ذلك، فالإسراف الكبير في استهلاك النفط خصوصاً في إنتاج الكهرباء وتحلية المياه ووسائل النقل، يجعلنا نعمل ونبحث عن تطوير تقنيات متقدمة من خلال مراكز أبحاث الطاقة المتقدمة.
لا بد من المحافظة على النفط، والاقتصاد في عمليات الاستهلاك حتى لا نقع في كارثة نضوب النفط، لذا يفترض عمل الدراسات والبحوث العلمية لإيجاد مصادر أخرى وبديلة للطاقة، وإنشاء وتأسيس مراكز بحوث متقدمة لها، بالإضافة إلى التعاون مع جامعاتنا والجهات الأكاديمية، ووضع ميزانيات ضخمة لهذه البحوث، ودعم مشاريع الطاقة المتقدمة، والتركيز على استخدام الطاقة الشمسية وتقنية النانو في ذلك، وهذا سيحافظ على مواردنا النفطية وينعكس إيجاباً على اقتصادنا الوطني.