لا تكاد تنتهي مباراة من منافسات كرة القدم بدوري عبداللطيف جميل للمحترفين هذا الموسم حتى تبدأ برامج التحليل التلفزيوني لمناقشة أخطاء الحكام ومراجعة الأداء الذي تم من قبلهم أثناء المباراة، بل إن ذلك التحليل قد يشمل أي مباراة لكرة القدم كما حصل بمباراة كأس ولي العهد التي توج بها نادي النصر بالبطولة.
والذي يتابع تلك البرامج التحليلية يشاهد تحليلاً منطقياً من قبل خبراء في المجال التحكيمي وحكام سابقون لهم باع طويل في التحكيم، ويبني ذلك التحليل على مشاهدة الخطأ الذي حدث بين اللاعبين من عدة زوايا وعدد كبير من الكاميرات وبالحركة البطيئة وذلك بالاعتماد على تقنية الكميرات المتطورة والإخراج الذي شهد نقلة نوعية غير مسبوقة على مستوى تاريخ الإخراج التلفزيوني للمباريات الرياضية منذ نشأتها إلى الآن.
وغالبا ما يتوصل الضيوف والمحللون إلى استنتاجات وأحكام تخالف القرار الذي اتخذه الحكم داخل الملعب خصوصا في تلك المباريات المهمة والمصيرية التي حدث بسببها جدل بين اللاعبين والحكم داخل الملعب، وبالتالي يتلقى المتابع للبرنامج ذلك التحليل بكل قناعة وبشكل نهائي بأن هناك خطأ تحكيمياً مثبتاً عبر كميرات التصوير ومؤكداً عليه عبر ما تم من تحليل داخل إستوديو البرنامج ويبدأ اللوم والتشكيك في الحكم.وما بين شد وجذب يخرج قلة من المنتسبين للأندية التي تضررت من تلك القرارات بل إن بعضهم من كبار المسؤولين بها لرمي التهم والتشكيك في النوايا والتقليل من قدرات الحكم المحلي بناء على ما شاهدوه من تحليل وإستنتاجات، وتبدأ المطالبات بحكام أجانب حتى وإن كان ذلك الحكم المحلي حكماً دولياً وله صولات وجولات في العالم وسجل كبير وتاريخ من الإنجازات السابقة.
ودائماً ما يستجاب بالفعل لتلك الرغبات من قبل لجنة الحكام في المباريات التالية بإحضار الحكم الأجنبي كنتيجة لطلب الأندية مع من أن الاستعانة بذلك الحكم الأجنبي لها بعض المزايا لعل أهمها عدم التشكيك في النوايا إلا أن الأخطاء تصدر من الجميع سواء كان حكماً محلياً أو أجنبياً وقد أثبتت التجارب ذلك،
وبالرغم من وجود الأخطاء إلا أن ذلك لم يثن تلك الأندية عن استمرار مطالبتها بالحكم الأجنبي غالباً في المباريات المهمة نتيجة لفقدان الثقة بالحكم المحلي، وبهذه الطريقة تزداد معاناة الحكم المحلي من كثرة الضغوط عليه والتشكيك الدائم بقدراته نتيجة للأخطاء.
ويمكننا القول إن الأخطاء جزء لا يمكن فصله عن لعبة كرة القدم بل إنها تعتبر نوعاً من الإثارة والتشويق، ولكن الذي يؤثر بالفعل هو زيادتها ومدى تأثير ذلك الخطأ التحكيمي على نتائج المباراة والدوري، ولكن هناك فرق كبير بين ما يحدث داخل الملعب أثناء المباريات وبين التحليل من قبل البرامج نظرا لاختلاف الظروف بين المتفرج بالاستوديو وبين الحكم الذي يعمل داخل الملعب، نظراً لكون من بداخل الملعب لا يرى جميع الزوايا عبر الكميرات بل ويعتمد حكمه على درجة قربه من موقع الخطأ الذي حدث ومدى ومقدار وزاوية الرؤيا التي ينظر من خلالها.
إن تلك الضغوط المتراكمة لها انعكاس سلبي على المدى البعيد على الحكام ونظرة المجتمع الرياضي لهم وهذا ينذر بسقوط التحكيم المحلي ولعل إبعاد الحكم الدولي خليل جلال عن نهائيات كأس العالم كانت نتيجته حتمية لذلك، وبالتالي قام خليل جلال مؤخراً بتقديم استقالته من التحكيم كردة فعل وهذا بدوره يعتبر مؤشراً غير جيد على ما يعانيه بعض الحكام من خذلان ولوم وتشكيك بالقدرات أو النوايا بالإضافة إلى الضعف المادي والتأخر الدائم في استلام المستحقات، أدى إلى ضعف موقفهم الدولي والداخلي أمام المجتمع الرياضي.
لذا فإنه لا بد لنا من إعادة النظر في الحكم المحلي وبدلا من التشكيك به أو قدراته أو استمرار لومه علينا دراسة الأسباب التي أدت إلى تفاقم تلك الأخطاء، وما هو الدور الذي تقوم به لجنة الحكام في مجال تطوير وتدريب الحكام وتقييمهم المستمر بالإضافة إلى تفعيل دورها في القضاء على شكاوى الحكام من ناحية تأخر المستحقات المالية.
ولا بد من وجود خطة إستراتيجية لتطوير الحكم المحلي للقضاء على تلك المشكلة عبر عقد الشراكات الدولية وتبادل الخبرات مع المعاهد العالمية بحيث يتم ذلك من خلال آلية مدروسة وفق المعايير العالمية، بالإضافة إلى استحداث برامج للمكافآت والحوافز المادية والمعنوية التي من شأنها تشجيع الحكم على تطوير نفسه وسعيه لنيل المكافآت المادية عبر تقليل الأخطاء داخل الملعب وبالتالي تتم استعادة الثقة بالحكم المحلي كما كانت سابقاً.