من صور تكريم الإسلام للمرأة، أن جعل لها حقوقاً كثيرة، ومنها الحق في شكاية الزوج إذا أساء معاملتها، وأهمل حقوقها الزوجية والأسرية، فعن إياس بن عبدالله بن أبي ذياب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاتضربوا إماء الله» فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئرن النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم» هؤلاء الرجال الذين يضربون نساءهم، ويتلفظون عليهن بألفاظ نابية، ويقذفونهن في أعراضهن، ثم يطالبونهن بأداء حقوقهم الزوجية، والخدمية طوال الليل والنهار، ليس من خيار المسلمين، بل من أشرارهم وأسوأهم خُلقاً.
وهذا مما يدفع كثير من النساء للهروب من مواطن العنف والإهانات والإذلال، وهذا الهروب لا يمكن ختامه إلا بطلب الطلاق الذي قد لا يتم إلا بعد تعرض الزوجات لمواقف مريرة سواء من خلال تقبل أسرتها لطلبها للانفصال عن زوجها الظالم، أو من خلال المحاكم التي تطول فيها مدة النظر في شكواها «بعكس الزوج الذي قد يُطلق شريكة حياته في ثوانٍ معدودة وبدون الرجوع إليها أو حتى أخبارها بنيته في الانفصال عنها»!، أو من خلال لجوئها لبعض مكاتب المحاماة التي تستنزفها مادياً حتى تحصل على حقها الشرعي في الطلاق، وقد لا تحصل عليه إلا بعد خسارة مادية ونفسية كبيرة!، وإن كانت سماحة ديننا العظيم خصّ المرأة بحقوق كثيرة، لكن للأسف الشديد الكثير لا يطبقها ولا يعيها بمضمونها العميق الذي يهدف لتحقيق الكرامة الإنسانية للنساء، وتحقيق الحماية للأسرة من حيث التزام كلا الزوجين بالحقوق والواجبات، وإذا اختل ميزان هذا الالتزام من حق الطرف المتضرر بالمطالبة بحقه الشرعي في التسريح بالإحسان وليس الإمساك بالقوة والإذلال! وهذا ما نشاهده بشكل يومي من خلال بلاغات العنف الأسري التي نستلمها بشكل مستمر عن زوجات متضررات من أزواج سيء العشرة والخُلق، أو من طليق انفصلت عنه بعد مرارة في العشرة معه لكنه يسيء لها من خلال أطفالها بتعنيفهم خلال زيارتهم به، أو من خلال حرمانهم من النفقة، أو من خلال إساءته اللفظية على والدتهم ونعتها بأبشع الصفات والأفعال التي تصدم الأبناء نفسياً، وتشككهم في نموذج الأم الآمن لقلوبهم ! والمؤسف الكثير من هؤلاء الرجال الذين تضطر نساؤهم لشكواهم لدى الجهات الحكومية، تكون لديهم قناعات لا تمت للدين الإسلامي بصلة لأنها تخالف وصية نبينا الكريم في حجة الوداع: (فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله) وقناعاتهم للأسف تتمثل في جانب خطير ألا وهو بأنه: ليس من حق نسائهم شكواهم، وليس من حق أبنائهم شكواهم أو التذمر من معاملتهم، وليس من حق أي جهة بالبلد محاسبتهم! لأنهم أحرار ولهم حق ملكية أسرهم، وتأديبهم وتعنيفهم حتى لو يصل الأمر لدرجة القتل (فهم أحرار)!.. هذه العقليات التي لا خوف لديها من الله سبحانه وتعالى، ومفاهيمها التربوية الخاطئة أقوى من تمسكها بشريعة الإسلام لأنها متأثرة بشريعة الغاب، سوف تقدم لنا نماذج مأساوية للجيل القادم، وسوف تزداد ضحاياها كمثل ضحية مكة التي تلقت وابلاً من ارصاص أمام باب المحكمة لأنها طالبت بحقها الشرعي في الانفصال، ولن يتم معالجتها إلا بالتوعية ثم التحذير، ثم العقوبات بحقها، بأن هناك أنظمة وعقوبات لا تسمح لشريعتهم أن تعلو على شريعة الإسلام السمحة!.