كل الشكر للأستاذ داود الشريان الإعلامي الذي استطاع تسليط الضوء على قضية ربما هي من أعقد القضايا ولا يفصل في مطوياتها إلا الوطني الشجاع، والشكر موصول لكل ضيوفه الأجلاء الذين كشفوا أسرار التنظيمات السرية وتبرئة ساحة المملكة العربية السعودية
من تشويهات الأعداء التي تحاول أن ترمي عليها أخطاءها وتحملها مسؤولية الفشل السياسي الذي تعاني منه تلك الدول معتقدة أنها في نقل معركتها مع هذا البلد المسالم الحريص على السلم والسلام وعلى الشعوب العربية والإسلامية والإنسانية بعامة تصرف شعوبها الثائرة عليها إلى جهة أخرى ليطبقوا نظرية علاج الأزمة الداخلية بأزمات خارجية، وهذا ما عملت عليه السياسة في العراق وسوريا واستغلال داعش وغيرها ذات الوجه القبيح للدفاع عن وجوههم التي زين لهم الشيطان من سوء عملهم أنها جميلة وأنهم بتطرفهم وظلمهم يحسنون صنعا، والحقيقة التي يجب أن يفهمها هؤلاء أن السعودية تحاول أن تنقذ ما يمكن إنقاذه بالطرق السلمية والجهود الدبلوماسية ولن تستطيع الروح السعودية أن ترى عربيا ومسلما يصارع الموت والبرد والجوع والخوف ولا تقدم له أي شي من جهود الإغاثة المتعارف عليها في الأنظمة الدولية.
هناك سر ما في داعش، والسر الأكبر هو الهجوم الممنهج عليها والتنصل منها من قبل قيادات الحركيين، وهم الذين كانوا يقفون في مثل هذا الخندق المقاتل منهجا وتكفيرا وأسلوبا وحروبا للدول والعالم بأسره ؟ ولماذا كل هذا الحرص على ربطها بالسعودية ظلما وعدوانا حتى أن المالكي هداه الله جل وعلا يتصل بالمنتخب العراقي قبل المباراة ويطلق تصريحاته الطائفية والاتهامات الكاذبة التي لا تليق استغلالا لحملاته الانتخابية وأفكاره الطائفية المتطرفة التي ما سلم منها أبناء العراق الحر الأبي، ثم تخرج الصحف العراقية والمواقع الرسمية لتقول انتصرنا على منتخب داعش وهم يقصدون المنتخب السعودي في تحد سافر لكل الأعراف الدولية التي تنص على الروح الرياضية في مثل هذه المشاهد الرياضية العالمية والإقليمية ؟ هل هناك مؤامرة تلوح في الأفق أدرك أسرارها الحركيون والطائفيون فتبرؤوا من داعش بهذا الشكل وهم الذين أيدوا كثيرا من التنظيمات والأفعال والتفجيرات والمواجهات التي لا تقارن بإجرام داعش ولا تقل عن خطورة داعش.
حينما يخرج علينا أحد الأخوة في برنامج الثامنة وهو ممن اطلع على ملفات المناصحة والفئات المستهدفة، وكان هدفه التحذير من خطورة هذه التنظيمات واختراقها لنسيج المجتمع السعودي، فلا شك أنه محب ومخلص وجزاه الله عنا كل خير، ولكنه في تعبيره يذكر أن أكثر قُواد داعش سعوديون، وأغلب أفراد النصرة كذلك، ويبين أنواعاً من التحريض عبر خطب الجمعة النارية وبعض القنوات الدينية، والندوات والجلسات السرية توقع فيها بيانات وتكتلات داخل وخارج الوطن، ثم يلقي بقنبلة تشي بخطورة الوضع كما تقول الكاتبة حصة آل الشيخ إذ يقول: «شبه يومي تخرج أعداد كبيرة إلى يومنا هذا أغلبهم تتراوح أعمارهم بين 18/ 25 إلى سورية....نفس الصورة تتكرر شبابنا الذين ذهبوا هناك عادوا مكفرين واستهدفوا بلادهم، بيئات فتن وانقسامات وتحزبات وعنصريات وأمور لا تخفى على أحد يتلقون هناك تنمية الكره والحقد على الأوطان»... وهذا كلام غير صحيح البتة من أوجه:
1- سأقف بالتفصيل عند كلمتي (أغلب، وقيادات)، وربما قالها تحذيرا من خطورة السماع لهؤلاء في تجييش الشباب ومحاولة إغرائهم للالتحاق بتلك الجبهات، ولكن في مقابل ذلك يجب أن نقطع الطريق على من يستغل مثل هذه التصريحات ليدين السعودية في أروقة المجتمع الدولي بإقحام المسمى في أتون ودهاليز مؤامرات تحاول تجييش القرار العالمي للضرر بنا باعترافنا، فالحقيقة أن كلمة «أغلب قيادات داعش سعودية» غير صحيح وتنفيها الإحصاءات الدقيقة التي صدرت عن طريق جهات رسمية تثبت أن قيادات داعش والنصرة وغيرها ليست سعودية، فقد كشف موقع ويكليكس العراق هذه القيادات وأكد أن العقيد العراقي حجي بكر قد اختار قائمة وصلت خلال أشهر إلى 100 شخص وهذه المفارز لا تأخذ أمرها إلا من القيادة مباشرة، وتم اختيار هؤلاء بمعرفة العقيد الخاصة وأكثرهم من عمله الأسبق ضمن النظام العراقي البعثي المنحل وعلى درجة عالية من الثقة بها و ذكرت صحيفة «الأخبار» أن حسابا ظهر على موقع «تويتر» مؤخرا يدّعي نشر «أسرار دولة أبي بكر البغدادي»، تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». ولفتت الصحيفة إلى أن تسلسل المعلومات التي يوردها الموقع، إن صحّت، يوحي بأنّ المسرِّب كان قيادياً سابقاً في صفوف التنظيم، قبل أن ينشق ويلتحق بـ»جبهة النصرة». ويكشف الحساب معلومات عن تأسيس «النصرة» وخفايا الخلافات المحتدمة بينها وبين و»الدولة». ويُقدّم الموقع الذي أفصح عن نفسه باسم «ويكي بغدادي»، تيمناً بموقع «ويكيليكس»، سرداً تفصيلياً بالأسماء والأدلة والكنى المستعارة وأحداثاً لوقائع مترابطة. وينقل الموقع أنّ مجلس قيادة «داعش» يتألف من عراقيين بنسبة 100%، مشيراً إلى البغدادي أنه لا يقبل أي جنسية أخرى كونه لا يثق بأحد. ويشير إلى أن عدد أعضاء المجلس العسكري يزيد وينقص، ويتراوح بين ثمانية و13 شخصاً، وأن قيادة المجلس يتولاها ثلاثة ضباط سابقين في الجيش العراقي في عهد صدام حسين. وهم تحت إمرة عقيد ركن سابق في الجيش العراقي أيضاً يُدعى حجي بكر، انضم إلى «دولة العراق الإسلامية» عندما كانت بقيادة «أبو عمر البغدادي» (قُتل عام 2010) بعدما أعلن «توبته» من حزب البعث (العراقي) وعرض وضع خبرته العسكرية وعلاقاته في خدمة التنظيم..
2- قوله: «شبه يومي تخرج أعداد كبيرة إلى يومنا هذا أغلبهم تتراوح أعمارهم بين 18/ 25 إلى سورية» يحتاج إلى دقة وبخاصة أن الإحصاءات الرسمية التي كشفها مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري في مقابلة إذاعية أن « السلطات السورية واثقة من أن 15 في المائة من المقاتلين الأجانب على أراضيها هم سعوديون وقال إنه وحسب بياناتنا، بين المقاتلين الأجانب في سوريا، 15 في المائة سعوديون وهم بشكل خاص قادة ومقاتلو «جبهة النصرة» و»الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) وعدد من التنظيمات الأخرى.»، ولو قسمنا هذه النسبة لصار حظ داعش 7%...مما يدل على وجوب التثبت في إطلاق أحاديث ربما ليست صحيحة....
وهذه النسبة لا تكاد تتفق جملة وتفصيلا مع الأعداد الكبيرة التي أطلقها برنامج الثامنة، ولو فرضنا جدلا أن هذه النسبة صحيحة فنسبة العراقيين في داعش 80% مما يؤكد أن إلصاق هذا التنظيم بغير العراق غير موضوعي تماما، ولو كان خروج السعوديين شبه يومي كما قال لمثلوا أكثر من 50% على الأقل من داعش...
3- كيف يمكن التوفيق بين قيادات في داعش وأعمار الشباب الملتحقين التي تتراوح بين 18- 25، وهؤلاء الصغار الأغرار لا يمكن أن يكونوا قيادات في ساحات مثل ساحة الحرب في سوريا والعراق المعقدة، ويؤكد ذلك هذا التصريح فهم صغار لا يتحملون القيادة وقد خرجوا بمبادرات شخصية وكانوا مخالفين لفتاوى هيئة كبار العلماء وتصريحات وزارة الداخلية التي تحاكمهم وتمنعهم من الخروج ومن جمع التبرعات غير المنضبطة والتي ربما تستغل استغلالا إرهابيا، إذ اقتصرت المعونات على الأعمال الخيرية وجهود الإغاثة الإنسانية، وكل ذلك مثبت في وسائل الإعلام الرسمية...
4- هناك مؤامرة في تصدير السعوديين الذين خرجوا مبادرات شخصية للمشهد بطريقة مفضوحة، ولا أدل على ذلك من المنشور في بعض المواقع:» رغم أن المعلومات المتوافرة تشير إلى أن... وصل إلى سوريا منتصف العام 2013 فقط، فإنه لم يمض الوقت الكافي ليتدرج صعوداً في المواقع كما هو معتاد.كما أن... كان يحتاج إلى تأهيل طويل، خصوصاً لاستلام منصب «شرعي»، كما تشير إلى ذلك اهتماماته قبل «النفير للجهاد» فهو لم يكن ملتزماً دينياً، وكانت تغلب عليه الميول الأدبية، حيث كان عضواً فاعلاً في «نادي تبوك الأدبي»»...
5- قوله:» نفس الصورة تتكرر شبابنا الذين ذهبوا هناك عادوا مكفرين واستهدفوا بلادهم،» مبالغ فيه، إذ لم تسجل وسائل الاتصال أي عائد يتحدث بهذا، لأنهم قلة بل إنه يتناقض هذا مع حكمه على أن الخارجين والملتحقين أعداد هائلة وهو شبه يومي، وقد خرجت بمبادرات شخصية وهي أقل من الأعداد البريطانية والأمريكية والفرنسية والمغربية والمصرية والعراقية وغيرها، وربما يفهم من هذا الكلام أنهم يمارسون كل ما ذكر في المجتمع ولم تحاسبهم الدولة على الخروج عن تعليماتها مادام أنهم عائدون يستهدفون البلاد والأوطان دليلا على تورطها في إرسالهم وهذا غير صحيح فكل من يخرج على التعليمات تتم محاسبته شرعا وأمام القضاء...
6- لا يعني هذا أننا ننكر خروج بعض السعوديين الصغار وبمبادرات شخصية مستغلين القرب من نقاط التوتر، ولكن تضخيم مشاركة السعوديين يؤكد أنّ وراء الأكمة ما وراءها، فليست هناك أعداد هائلة، كما أنه يؤلمنا إقحام شاب سعودي واحد في أتون تلك الحروب المجرّدة من الراية والمنعة، إذ أكدت مصادر مطلعة وموثقة، أنّ من تم استدراجهم من السعوديين للقتال هناك عن طريق دعاة الفتنة وغيرهم، لا يمثلون إلاّ نسبة ضئيلة من المقاتلين الأجانب في سورية، الذين يتم تقديرهم بأكثر من 20 ألف مقاتل، يمثل أكثر من 67% منهم من الطائفة الشيعية، وتشير المعلومات إلى أنّ أعداد السعوديين الموجودين في سورية لا تتجاوز الـ1400 شخص، إضافة إلى بعض المطلوبين للجهات الأمنية بالمملكة، الذين يوجدون خارج المملكة. وهذا الرقم القليل وتلك النسب المتدنية، لا تمثل ظاهرة يحكم من خلالها على إلصاق تلك التنظيمات التي تقود معارك كبيرة، وفي دول مختلفة وبقيادات بعثية وطائفية وحزبية بشبابنا المغرّر بهم، ولا علاقة لوطن بحجم المملكة العربية السعودية بها، لأنها هي أول من حارب الإرهاب والتطرُّف، وأصبحت تجربتها عالمية، ولا تزال تدعم صناديق محاربة الإرهاب انطلاقاً من منهجها الشرعي والإنساني الذي لن تحيد عنه مهما كانت المشوّهات ومهما كانت النتائج، وأجمل عبارة تطلق على المالكي: «رمتني بدائها وانسلت»، فالمصادر تؤكد أنّ (داعش الصنيعة) أسهم حلفاء طهران بالمنطقة في تشكيلها وتعزيزها بالعناصر، خاصة من جانب حكومة المالكي، والمتهمة بتسهيل هروب الكثير من معتقلي «القاعدة» المحتجزين في سجونها.
وأخيراً لا يمكن لنا إلاّ أن نشكر داوود وذلك الشيخ الوقور الذي يؤكد حرصه على أبنائه المغرّر بهم واحتراق قلبه عليهم، وبخاصة أنه معايش للقضية ويرى بأُم عينه أمهاتهم المكلومة وآباءهم المذهولين، مما دعاه إلى أن يطلق صرخاته التحذيرية المدوّية على الهواء مباشرة، وقد اغرورقت عيناه من حديث أم محمد المكلومة لينتبه الجميع إلى خطورة الاستقطاب والتغرير بشبابنا الصغار مهما كانت نسبة المشاركة... والله من وراء القصد.