قبل أن تعلن (اللجنة العليا) لانتخابات الرئاسة المصرية.. عن تحديد يوم إجرائها في الأسبوع الأول من الشهر القادم.. كما صرح مستشار الرئيس المصري منصور عدلي لـ(الشؤون الدستورية)، وما سيتبع ذلك بـ(الضرورة).. من الإعلان عن موعد فتح باب الترشيح وإغلاقه أمام المرشحين، الذين لما يعرف بعد عددهم إن كانوا اثنين أو ثلاثة..
وكما تفعل الأمم والشعوب الراقية.. أو ثلاثة عشر كما حدث في (فوضى) الانتخابات المصرية السابقة، وكان مثار سخط المصريين أنفسهم.. قبل سواهم، وغضبهم على المجلس العسكري الأعلى، الذي كان يتوجب عليه بعد تنحي (مبارك).. أن يدعو إلى كتابة دستور جديد.. للـ(جمهورية الثانية)، لا أن يدعو المصريين - وسط فرحهم وذهولهم من السرعة التي تهاوى بها (مبارك) ونظامه.. في سبعة عشر يوماً - لـ(استفتاء) على تعديلات دستورية تم طبخها في ثمانية وثلاثين يوماً، والتي كان من بين موادها (المادة 29).. التي تقضي بالسماح لـ(أي حزب) له - ولو - مقعد واحد في مجلس (النواب) أو (الشورى) في آخر انتخابات!! أن يرشح أحد أعضائه لـ(الرئاسة المصرية).. هكذا!! وهو ما فتح أبواب الترشيح على مصراعيها لكل من هب ودب، ومن يستحق ومن لا يستحق (عرش) مصر.. حتى بلغوا في النهاية (ثلاثة عشر) مرشحاً!! كان من بينهم (ثلاثة) مرشحين من (الإخوان) - د. مرسي، ود. أبو الفتوح، ود. العوا - وإن كانوا تحت مسميات حزبية مختلفة شكلاً لا موضوعاً.. في سابقة تاريخية، لم تعرفها حتى جمهوريات الموز في حوض الأمازون..!!
.. قبل الإعلان عن الموعد، وقبل أن تصل الأحزاب المعروفة كـ(الوفد) و(العربي الناصري) و(التجمع) و(العمل)، والتيارات والتجمعات السياسية الأخرى التي أفرزتها ثورتي (الخامس والعشرين) من يناير و(الثلاثين) من يونيه.. لـ(أسماء) مرشحيها الذين ستخوض بهم الانتخابات الرئاسية المقبلة.. كانت جماهير (ثورة) الثلاثين من يونيه التي دعت لها (حركة تمرد)، وحماها ودعمها الجيش المصري، واستلهم منها وبحضورها تشكيل قيادته المصرية الوطنية.. من الأزهر والكنيسة وجبهة الإنقاذ و(الوفد)، وحزب النور السلفي، التي أعلنت قراراتها على شاشات التلفزيون في الثالث من يوليه الماضي وبلسان الفريق أول - آنذاك - عبد الفتاح السيسي بـ(عزل) الرئيس وتعطيل (دستور الإخوان)، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية (منصور عدلي) رئيساً مؤقتاً إلى حين تعديل الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية لإدارة البلاد إلى حين إجراء الانتخابات النيابية.. إلى آخر ما جاء في ذلك البيان (الإنقاذي) العظيم، وهو ما عُرف فيما بعد (بخريطة المستقبل).. ليرقص الشارع المصري كله سعادة وفرحاً بـ(زوال) حكم الإخوان واستبداده وعناده وخياناته ومؤامراته، والذي جلب لـ(مصر) في عام واحد ما لم تعرفه من الانقسامات والأزمات والنكبات طوال جمهوريات يوليه الأربع.. وهو يغني في الشوارع والميادين: (السيسي.. هوَّ رئيسي)..!! باعتباره القائد الفعلي لإنجاز (التغيير) الذي حَضَّرت وحَشدت له (حركة تمرد).. أعظم تحضير وأفضل حشد.
* * *
وفي المقابل لم تكن بقية القيادات السياسية الفكرية والثقافية والصحفية والجماعات والجمعيات المصرية.. التي كانت خارج إطار (القيادة المصرية) التي ظهرت على شاشات التلفزيون وتناقلت (بيانها) كل إذاعات العالم ووكالاته الإخبارية مساء الثالث من يوليه الماضي.. بعيدة عن مشاعر الشارع المصري وحسّه الوطني السبَّاق.. بل كانت متفاعلة معها ومنفعلة بها، لتأخذ أقلام كبار الكتّاب والصحفيين وشبابهم من أصحاب الأعمدة والزوايا الصحفية ذات النهج، وهي تستحث الفريق السيسي لـ(الترشح) لانتخابات الرئاسة بعد إقرار الدستور الجديد، بينما ظل (الفريق السيسي) متردداً خشية الوقوع في فخ إثبات (الاتهام) الذي أثارته ضد ثورة الثلاثين من يونيه وضده كل من الولايات المتحدة وبريطانيا ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي والأمانة العامة لمنظمة الوحدة الأفريقية.. من أن الذي حدث في الثلاثين من يونيه - بملايينه الجرارة من المواطنين الذين استجابوا لدعوة (تمرد) بعزل الرئيس والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة - لم يكن (ثورة) شعبية.. بقدر ما كان (انقلاباً) عسكرياً: في (مقدمته) تلك الجموع الحاشدة من المواطنين.. وفي (مؤخرته) الجيش وقائده..؟!
لقد كان الزميل العزيز.. صاحب ورئيس تحرير صحيفة (الأسبوع) الأهلية الأستاذ مصطفى بكري في مقدمة هؤلاء من خلال مقاله التفصيلي الجميل والطويل.. والذي جاء في صفحة كاملة من صفحات عدد جريدته الصادر يوم 20 أكتوبر 2013م الماضي بعنوان شعبي عاميٍّ تفهمه جماهير الشعب المصري والعربي عامة: (كمِّل جَميلك.. يا سيسي)..؟ والذي استعرض فيه خيبات وخطورة حكم (الإخوان) على مصر وأمنها القومي وسلامها الاجتماعي ومفهوم الدولة الواحدة - المحروسة دولة وادي النيل - المتجذر في نفوس المصريين.. من آلاف السنين، أو كما قال شاعر مصر الكبير المرحوم كامل الشناوي في قصيدته.. أغنيته (على باب مصر): و(من عصر مينا إلى عصر عمروٍ من عصر عمرو لعصر جمال).. وما أخذ يتهدده بـ(الزوال) طوال سنة حكم الدكتور مرسي و(المرشد العام) وبطانته.. من يونيه عام 2012 إلى يونيه 2013م، وهو ما أنبت في عقول وصدور ثوار الخامس والعشرين من يناير - الذين خطف (الإخوان) ثورتهم ثم عاثوا فساداً - دعوتهم إلى (التمرد) وسحب الثقة منهم ومن الدكتور مرسي، لتلتف حولها تلك الملايين الصاعقة بأعدادها.. فكانت هي (كلمة الشعب) و(إرادته)، لينتهي الأستاذ البكري في (مقاله).. بعد أن استعرض تحذيرات الفريق السيسي (الثلاثة) للرئيس الدكتور مرسي من موقع الولاء له والخوف على (مصر)، والتي كان أولها عن إعلانه الدستوري الأخير.. الذي ألغى فيه الجميع وأبقى نفسه و(جماعته).. وكان ثانيها على إرسال (أهله وعشيرته) لحصار المحكمة الدستورية لمنع قضاتها من (إصدار أحكامها المتوقعة لحل مجلس الشورى وتأسيسية كتابة الدستور).. وكان ثالثها عملياً عندما رفض الجيش النزول إلى الشارع لـ(التصدي للمتظاهرين السلميين ضد آخر إعلانات الدكتور مرسي الدستورية).. أو (الإخوانية) على وجه الدقة، ثم رفضه دعوة المصالحة الوطنية التي اقترحها الفريق السيسي بعد أن وافق عليها.. فـ(إنذار) الأسبوع الأخير.. فإنذار الثماني والأربعين ساعة، فكان ما كان بعد ذلك.. وصولاً إلى قرارات الثالث من يوليه.. لينتهي إلى مكاشفة الفريق السيسي - المتردد في قبول الترشح للرئاسة.. ما لم تأت من الشعب - بخيارات ثلاثة:
(الأول: أن تمضي إلى منزلك أو تقدم استقالتك، وأن تحذو حذو سوار الذهب... إلخ).
(الثاني: أن تظل قائداً عاماً للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع، وأن تستمر في منصبك وأن تحمي الانتخابات القادمة البرلمانية والرئاسية، وأن يجري انتخاب رئيس جديد لمدة 4 سنوات.. وفي هذه الحالة وأنت تعرف مقدار شعبيتك وحب الناس لك وخروج 40 مليوناً (يقصد يوم التفويض في السابع والعشرين من يوليه من عام 2013.. بالتصدي للإرهاب) وهو ما لم يحدث من قبل.. لتفويضك على بياض، وفي هذه الحالة أياً كان الرئيس القادم.. فسيجد نفسه بين (نارين) إما أن يصمت أمام هذا الوضع حيث يوجد قائد يتمتع بشعبية كاسحة وله من النفوذ والقوة ما يجعل القول: بأن البلد يُدار «برأسين ورئيسين» صحيح، وفي صمته انتقاص منه ومن وضعيته وإما أن يلجأ الرئيس الجديد إلى محاولة حسم الأمر وإبعادك من منصبك وفي هذا ما يقود البلاد إلى أزمة قد تودي بمصر إلى طريق الفوضى والانقسام).
(والخيار الثالث): خيار الشعب، وهو أن تكلف من الشعب بالترشح لانتخابات الرئاسة لعدة أسباب)، ثم سرد أمامه تلك الأسباب التي عرفها وعاشها ولمسها الفريق السياسي طوال سنة حكم الدكتور مرسي وما أفضت إليه من ثورة في الثلاثين من يونيه، ليقول في نهاية مقاله (ليس أمامك من خيار سوى الاستجابة لإرادة الشعب)، فـ(استخر الله، وثق أن الله معك: (ياللا يا سيسي.. كمل جميلك)!!
* * *
على الجانب المقابل كان مرشح (التيار الشعبي) للرئاسة في الانتخابات السابقة (السيد حمدين صباحي) وهو المرشح الفعلي لثوار الخامس والعشرين من يناير.. والذي كان قاب قوسين أو أدنى.. من (الفوز) بها، والذي تم إسقاطه في جولة الإعادة بفضل الأموال (!!؟) التي أخذت تصب في مصر من كل جانب لصالح (الإخوان).. قبل انكشافهم التآمري أمام الجميع من الخليجيين وغيرهم، فقد آثر التردد والابتعاد عن حلبة السباق الرئاسية الجديدة.. ولكن ثورة الثلاثين من يونيه وقرارات الثالث من يوليه التي أعقبتها.. إعادته إلى حلبة التنافس على الرئاسة مجدداً، وقد شكّل التيار الشعبي مؤخراً (لجنة) لتحديث البرنامج الانتخابي للسيد حمدين صباحي.. تتواصل مع القوى الثورية والسياسية والنقابات والجامعات بشأن مطالبهم المرجوة، ليتضمنه برنامجه الانتخابي القادم، وهو ما سيضع (مصر).. أمام أول مرشحين جديرين للانتخابات الرئاسية القادمة: مرشح ثورة الثلاثين من يونيه (الفريق عبد الفتاح السيسي).. ومرشح ثورة الخامس والعشرين من يناير (السيد حمدين صباحي)، وهو مشهد يستدعي بالضرورة مشهد يومي السادس عشر والسابع عشر من شهر يونيه من عام 2012م الدامع والحزين.. عندما وجد المصريون أنفسهم - كمداً - أمام مرشحين (أحلاهما.. مر) هما: ممثل الإخوان (مرسي) وممثل الفلول (شفيق).. ليكرهوا على اختيار أحدهما، ليجدوا أنفسهم في هذه الانتخابات المقبلة - إن سارت الأمور بهذا النفس الوطني وسلمت من مؤامرات ودسائس واختراقات (الجماعة) وأذنابها أو حتى (دراويشها) - أمام مرشحين يتنافسان في ولائهما وحبهما لـ(مصر): منارة العرب.. الخالدة.
لنقول ساعتها.. ويقول كل عربي من المحيط إلى الخليج: اسعدي يا مصر.. بين خياري (السيسي) و(الصباحي)، اللذين يمثلان بحق.. خياري (الفداء) في أعلى تضحياته و(الوطنية) في أعلى تجلياتها.