لعل من أغرب القضايا، وأكثرها حزنا، أن يعيش أطفال سعوديون مع أمهاتهم في غير وطنهم، ويفتقدون لأبسط حقوق المواطنة، لسبب بسيط هو أن والدهم غير معني بهم، هرب وتركهم مع أمهم في بلاد أخرى، فلا هم مواطنون سعوديون، ولا هم ينتمون إلى البلاد التي يقيمون فيها، وأكثر هؤلاء إحباطا هم ممن يعيشون في منطقة محروقة، كالأراضي السورية خلال السنوات الثلاث الماضية!
هؤلاء الذين هربوا من جحيم «الأسد» إلى التشرد في مخيمات الأردن، رغم أن السفارة السعودية في الأردن اهتمت بهم، وتابعت أمورهم، إلا أن ذلك لا يلغي معاناتهم المستمرة، وحاجتهم إلى تسوية أوضاعهم المادية والنظامية بشكل نهائي.
فقد نشرت صحيفة الوطن تقريرا عما يقارب ستا وعشرين عائلة سعودية عالقة في الأردن، يحمل بعضهم جوازا سعودياً انتهت صلاحيته منذ سنوات، ولأن آباءهم رفضوا تجديد جوازاتهم، أو رفضوا استقدامهم إلى الوطن، بقوا عالقين في غير بلادهم، ورغم أن أوضاعهم هكذا، منذ عشر سنوات وأكثر، إلا أن الحياة الطبيعية، والاستقرار سابقاً في سوريا كانت تجعلهم يمضون حياتهم بهدوء، رغم أنهم يطالبون بتسوية أوضاعهم طوال هذه السنوات، دون فائدة.
ورغم اهتمام الدولة بأوضاع هؤلاء، ومحاولاتها في تسوية أوضاعهم، إلا أن آباءهم الذين أهملوهم لأسباب مادية واجتماعية وغيرها، يتحملون مسؤوليتهم أمام الله سبحانه، وأمام الدولة، لذلك يجب استدعاء هؤلاء الآباء، والتعامل معهم تبعا للأنظمة والقوانين، بل التعامل معهم بشدة وحزم، وتحديد موقف هذه العائلات التي تحتضن أطفالا يمتلكون الجنسية السعودية.
من يقرأ قصص هؤلاء في ذلك التقرير، يكتشف قصصا مأساوية، أبطالها رجال غير مسؤولين، لعب برؤوسهم البحث عن متعة مؤقتة، فحمل معه ورقة رسمية من حكومة بلاده، تسمح له بالزواج من سورية، ثم فعل ذلك مع عدم حساب الأمور وتقدير خواتيمها، وانتهى به الأمر بأن حملت زوجته بذرة طفل سيكون مصيره التشرد والشتات، ورغم أن المسؤولية الأولى والأخيرة يتحملها المواطن نفسه، نتيجة إهماله وعدم احترامه لمسؤوليته كأب وولي أمر هؤلاء الأطفال، إلا أنه يجب البحث عن حلول لهؤلاء المواطنين، ليس العناية بهم فقط في مقر إقامتهم الحالية في الأردن، بل في إعادتهم إلى وطنهم، حتى من غير إذن أولياء أمورهم، ما لم يكن هناك قضايا نسب أو ما شابه، لأنهم ببساطة يحملون الجنسية السعودية، ولهم من حقوق المواطنة ما لهذا الأب وغيره من حقوق المواطنة.
وبالرغم من الحملة السعودية لنصرة السوريين التي تقف معهم، وتوفر لهم الطعام وأجرة المنزل، إلا أن السلطات الأردنية تعاملهم كسعوديين جاؤوا للسياحة، فلا تسمح لهم بالعمل والكسب والعيش بكرامة، خاصة أن أحد هؤلاء أشار في التقرير إلى أن السفارة السعودية منحتهم رواتب خلال الأشهر الثلاثة الأولى من وصولهم إلى الأردن، لكنها توقفت بعد ذلك، فأين يذهب هؤلاء بعد أن أصبحوا مشردين، وهم لا يملكون حق العمل والكسب الشريف؟