ما زال يتردد بأن المرأة المُعنفة لا تستطيع الوصول للجهات المعنية بمتابعة شكواها، وأنها لا تستطيع الدخول للعيادات الطبية أو المستشفيات للعلاج بعد تعرضها للعنف! وأنها لا تستطيع الدخول للمحكمة أو مقابلة القاضي بدون مرافقة ولي الأمر لها حتى وإن كان هو مصدر الأذى!
وما سبق لا يمت للحقيقة بصلة، ومن واقع ممارسة وخبرة لا تقل عن عشر سنوات في مجال الحماية الأسرية، فإن وحدات الحماية الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، ولجان الحماية في بعض المستشفيات الرئيسية، ودور الحماية للمعنفات، ومراكز الشرط المختلفة، والمحاكم الكبرى، والأقسام النسائية في إمارات المناطق، تقوم باستقبال بلاغات لنساء تعرضن للعنف من أولياء أمورهن، وتقوم باستقبال حالات بحاجة للعلاج الطبي العاجل لحالات ما بين البسيطة إلى الحالات الخطيرة تستدعي التنويم والتحفظ عليها داخل المستشفى حتى يتم تحويلها للجنة الحماية الاجتماعية التابعة لمنطقة المستشفى وبدون موافقة ولي الأمر خاصة إذا كان هو المعتدي! أيضاً تستقبل وحدات الحماية حالات نساء يتم تحويلها من بعض المحاكم بعد لجوئها للقاضي طالبة للحماية بهدف ايوائها في دار الحماية، وذلك بعد انتهاء جلسات التقاضي بينها وبين ولي أمرها المعتدي عليها، وقد يكون هناك خطر أكبر متوقع عليها بعد خروجها وعودتها لنفس المكان الذي تعيش فيه مع المعتدي! كذلك مراكز الشرط والتي لم تكن تتفاعل سابقاً مع حالات العنف الأسري كما نتمنى جميعاً، إلا أن هناك الكثير من المراكز. ومن واقع خبرتي في منطقة الرياض تفاعل أغلب رؤوساء المراكز مع شكاوي المعنفات وأطفالهن، وتجاوبهم مع بلاغات وحدة الحماية للتدخل العاجل مع الحالات الطارئة، وإن كان بعض رجال الأمن مستقبلاً بحاجة أكثر للتدريب على اللائحة التنفيذية لنظام الحماية للوقوف على حقيقة بعض النساء المعنفات، إلا أن ذلك لا يشير إلى رفضهم لاستقبال النساء المعنفات بدون أولياء أمورهن! والأهم مما سبق فإن مركز البلاغات التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية يستقبل يومياً بلاغات لنساء معنفات يتم توزيعها على وحدات الحماية بالمناطق تبعاً لمقر سكن المُبلغة لمباشرة شكواها بدون أخذ موافقة ولي الأمر، والاحصاءات الشهرية للمركز عن تلك البلاغات المستمرة لدليل على ذلك!
لذلك هذه الصورة المشوهة للحقيقة تسيء لمستوى الخدمات الحديثة المقدمة في مجال مناهضة العنف ضد المرأة داخل السعودية، ويسيء لجهود الجهات الحكومية والمدنية في تقديم ما يخدم المرأة المُعنفة والطفل، ويُحبط من حماس وهمة القائمات في هذا المجال الخطير الذي قد يقلل من شأنهن الاجتماعي والحقوقي خاصة أنهن يتابعن بشكل يومي شكاوي المعنفات بدون موافقة ولي الأمر «المعتدي» والذي قد يتفاجأ باستدعائه من خلال الشرطة لاتخاذ اللازم بحق الشكوى المقدمة ضده!
والعتب أكثر على ما أشار إليه التقرير الثاني للاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان إلى المطالبة باتخاذ التدابير العاجلة لرفع نسبة وصول المعنفات إلى مواقع الجهات المعنية والمسؤولين دون أولياء أمورهن لإيجاد حلول عاجلة لإيقاف قطار العنف ضد النسا والأطفال، بالرغم أن الجهات الحقوقية تطلع بشكل يومي على شكاو مختلفة للنساء المعنفات، ولا أعلم ما هو المصدر الذي استند عليه هذا التقرير لكي يشكك في نسبة النساء القادرات على الوصول بشكاويهن للجهات المعنية بمعالجتها!؟