عشرة من كبار علماء الشيعة المعروفين في المنطقة الشرقية أدانوا الإرهاب في بيان تاريخي تم نشره قبل أيام؛ هذا البيان الحازم والمباشر يُثبت بكل المقاييس وطنيتهم، وانحيازهم للوطن في مقابل كل من أراد بهذا الكيان سوءاً أياً كان دينه أو مذهبه أو طائفته.
جاء في البيان: ( لا شك أن أعظم مقصد للدين وأهم مطلب للمجتمع هو بسط الأمن والاستقرار في البلاد. وقد بليت مجتمعات الأمة في هذا العصر بجماعات وتيارات متطرفة تمارس الإرهاب والعنف تحت عناوين دينية وسياسية والدين بريء من الإرهاب، والعنف السياسي يدمر الأوطان، وما نعرفه من سيرة أئمة أهل البيت ومن توجيهاتهم الهادية أنهم يؤكدون على حفظ وحدة الأمة ورعاية المصلحة العامة، ورفض أي احتراب داخلي حماية للسلم والأمن في مجتمع المسلمين وذلك هو نهج مراجعنا وفقهائنا الكرام؛ لذا نحذر أبناءنا وشبابنا الأعزاء من الانجراف خلف توجهات العنف والتطرف فهو لا يحل مشكلة ولا يحقق مطلبا، بل يزيد المشكلات تعقيدا ويحقق مآرب الأعداء الطامعين، ونؤكد أن أي استخدام للسلاح والعنف في وجه الدولة أو المجتمع مدان ومرفوض من قبل علماء المذهب وعموم المجتمع ولا يحظى بأي غطاء ديني أو سياسي) .
وفي المقابل يَشدُّ أحد (طلبة العلم) السنة في بلادنا رحاله مسافراً إلى مدينة شمال العاصمة الرياض، ليزور أحد مفتين الإرهاب المشهورين، بعد أن صدر في حقه حُكماً قضائياً بسجنه 15 عاماً، ويُثني عليه وعلى علمه، وكأنه (يُدين) الحكم القضائي الذي صدر في حقه، في تصرف ينمُّ بكل المقاييس أن الإرهاب ودعمه واحتضانه لا علاقة له بطائفة ولا مذهب؛ خاصة وأن هذا الشيخ رجل ماضوي محض، كل عيشه وثقافته وعلومه بين أجداث المقابر، وقال فلان، ورجّحَ آخر، لا يعرف في فقه الواقع وفقه المآلات وتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والظروف والمنطلقات إلا ما يعرفه أيُّ رجل عامي ساذج معزول عن العصر وعلومه ومستجداته، وربما أنه - أيضاً - يعيش في معزل عمّا نعانيه ويُعانيه العالم من الإرهاب والإرهابيين .
أريدكم فقط أن تُقارنوا بين بيان علماء الشيعة الذي يتدفق وطنية، وما أقدم عليه الشيخ المذكور المشار إليه آنفاً، لتُدركوا أن مشكلتنا في المنطلق والأساس هي مشكلة منهجية، وأنَّ الإرهاب الذي استشرى في بلدنا وتمكّن منها، وسمّمَ أذهان أبنائنا، كان نتاجاً لهذه الثقافة الدموية المتخلفة، التي تتعامل مع النصوص تعاملاً مُجرداً ساذجاً فتقبلها أو تردها بمعايير فقط (ماضوية) لا علاقة لها بالعصر وعلوم العصر وما استجد عليه من نوازل؛ وإلا فكيف يجرؤ مثل هذا الشيخ أن يقوم بهذه المبادرة ويشدُّ رحاله إلى حيث يُقيم هذا المجرم الذي ثبت إجرامه (شرعاً)، ويُكرمه ويُبجله كل هذا التبجيل والتكريم؟
اقرؤوا ماذا جاء في لائحة الادعاء الرسمية على هذا المجرم الإرهابي، أنقلها لكم بالنص من لائحة الاتهام المقدمة للمحكمة، والتي صدر بناء عليها حُكماً قضائياً يُدينه بما نُسب إليه.. جاء في لائحة الاتهام بالنص: (ارتباطه بعدد من أخطر قيادات الفئة الضالة التابعة لتنظيم «القاعدة» الإرهابي، وتأييد العمليات الإرهابية التي سفكت فيها دماء رجال الأمن والمواطنين والمعاهدين في هذه البلاد و»إفتائه» بجوازها وتحريضه على استهداف الأجانب داخل المملكة وتفجير المجمعات السكنية بعمليات «انتحارية» وإفتائه بجواز ذلك).
بالله عليكم : أيهم أكثر وطنية، وإخلاص، وانتماء لهذا الوطن، وحماية لأمن أهل الوطن، هل هو هذا الشيخ (السني) الذي يُكرم ويُبجل هذا المفتي (القاعدي) الأفاك، أم هُم هؤلاء العلماء الشيعة الوطنيون؟.. ثم هل يُعقل أن يُكرم الشيخ محمد بن إبراهيم أو الشيخ ابن باز أو ابن حميد أو ابن عثيمين - رحم الله الجميع - مُجرماً حُكمَ عليه شرعاً بالسجن تعزيراً لتعرفوا فرق أولئك الأفذاذ عن هذا الشيخ وأقرانه؟
إن جزءاً من مشكلتنا أننا (نجامل) مثل هؤلاء المشايخ، ونتلمّس لهم الأعذار، في حين أنهم أصل الداء ومكمن العلة، ومن يُنتج ثقافة الإرهاب ويُروّج لها بقصد أو دونما قصد؛ وتذكروا أنَّ الإرهاب هو الإرهاب، قال به وأفتى بممارسته سني أو شيعي، مُحدِّثٌ أو فقيه، عالم أو جاهل؛ فالنتيجة في نهاية الأمر واحدة؛ والوطن والمواطنون هم من سيدفعون الثمن مثلما دفعها آباءٌ وإخوانٌ وأبناءٌ لهم من قبل؛ والتاريخ أمامكم فاقرؤوه .
إلى اللقاء.