يُروى أن الأب الروحي للصين ماوتسي تونج، قرر أن يقضي على العصافير في الصين، بعد أن لاحظ تدميرها للمحاصيل، فتوصل إلى تحفيز الصينيين بالمشاركة في هذا القرار، بأن يمنح مكافأة لأي مواطن يقتل عشرة عصافير ويجلبها له، فانطلقت عمليات إبادة واسعة، وبالطبع كان لذلك تأثير على البيئة بشكل عام، وعلى الطبيعة والغطاء النباتي بشكل خاص.
هذا المنطق الصارم في التعامل مع الواقع تغير كثيراً، فعادت عصافير الصين إلى الحياة، وعادت هذه الجمهورية تنظر للأمور بشكل أكثر عمقاً، تخطط في علاقاتها التجارية بوعي أكبر، لا تبني مع الآخرين علاقة بيع وشراء في الشأن التجاري، بل تسعى إلى بناء عمل إستراتيجي بعيد المنظور.
وبالطبع كانت المملكة من بين الدول التي تهتم بها الصين، والعكس أيضاً، فكون هذا البلد الذي يزيد سكانه عن المليار نسمة، هو أكبر مستورد للبترول في العالم، بمعدل عشرة ملايين برميل بترول، ولا ينتج سوى أربعة ملايين برميل يومياً، فهو بالضرورة يحتاج إلى المملكة، خصوصاً في مجالي البترول والبتروكيماويات، وكذلك المملكة التي تنتج نحو عشرة ملايين برميل بترول يومياً، تسعى إلى تصديره نحو القارة الآسيوية، وفتح أسواق جديدة، هي تحتاج إلى شريك إستراتيجي، يمكن الوثوق به، في هذه القارة، ليس في مجال التصدير فحسب، بل حتى في توريد مختلف البضائع في جميع المجالات.
ولا شك أن زيارة سمو ولي العهد للصين، يرافقه وزراء مختصون في الشأن التجاري كوزير البترول والثروة المعدنية، والمالية، والتجارة والصناعة، بالإضافة إلى الإعلام والشؤون الخارجية، لها أثر كبير في تنشيط التبادل التجاري مع الصين، والسعي إلى بلوغ هذا التبادل سقف التسعين مليار دولار، بعد أن حقق العام الماضي 74 مليار دولار.
ومن الطبيعي أن يحدث هذا التناغم الاقتصادي والسياسي، ليقود إلى مناقشة المواقف السياسية للبلدين تجاه ما يحدث في المنطقة إقليمياً ودولياً، سواء فيما يخص القضية الفلسطينية، أو الأوضاع السورية الراهنة، وكذلك الملف النووي الإيراني.
وقد تتعامل الصين ببطء في معظم قراراتها، إلا أن ذلك قد يكون مؤشراً على أنها لا تبحث عن علاقات عابرة، غير متوازنة، بل تهدف إلى بناء عمق إستراتيجي طويل الأجل، ولعل خطوة المشاركة بين شركتي سينوبك الصينية وأرامكو السعودية، التي بدأت عام 2006م، هي خطوة في هذا الاتجاه، وربما تنجز العديد من المشروعات في مجالي البترول والبتروكيماويات في السنوات القادمة.
ولعل تقنين التعامل التجاري في السلع الصينية التي تغزو أسواقنا المحلية هو أيضاً أمر مؤثر ومهم، خصوصاً أن معظمها من السلع الرخيصة والرديئة، ذات المواصفات الأسوأ، فمن الطبيعي أن يتم الاتفاق على ملاحقة المستوردين ومعاقبتهم، وكذلك معاقبة المصدّرين الذين يمارسون الغش التجاري بشكل علني، وتوريد السلع الصينية الجيدة فقط، والتي نجدها في الأسواق الأوروبية.
أعتقد أن ترسيخ العلاقات في مختلف جوانبها، الاقتصادية والسياسية والثقافية، ورفع حجم التبادل التجاري مع دول مؤثرة، بحجم الصين، والهند، واليابان، وكوريا الجنوبية، وغيرها، هو أمر مهم، سيظهر أثره بشكل إيجابي على الاقتصاد الوطني خلال السنوات القادمة.