في السنوات الأخيرة نادى الكثير بإصلاح التعليم وتطويره في المملكة العربية السعودية وكانت الآراء متباينة ولكن الحكم في ذلك يقظة خادم الحرمين الشريفين حامل هم التعليم الأول من خلال مشروعه العملاق (مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم) وهذا الهم لم يقتصر على المملكة بل دول مجلس التعاون الأعضاء في مكتب التربية العربي لدول الخليج حينما أقروا وثيقة الملك عبدالله بن عبد العزيز التي قدمت إلى مؤتمر القمة (وثيقة الآراء لخادم الحرمين الشريفين ديسمبر 2002م) والتي أقرت وأسست هذه الوثيقة وما سبقها من وثائق أرضية يستطيع صناع القرار وهم وزارة التربية في الدول الأعضاء من تطوير التعليم والذي بدأ العمل به من خلال الكثير من البرامج والدراسات التي تناولت الاعتماد المدرسي والجودة وتجويد التعليم والمهارات الحياتية والكفايات الخاصة بالمعلمين والمنهج والتكوين المهني للمعلم هذه البرامج التي أشرت إليها والتي يتبناها مكتب التربية العربي لدول الخليج ليست إلزامية ولكنها بلا شك هي من اهتمامات الدول الأعضاء لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والتحدي العلمي التقني والتحدي الثقافي الاجتماعي فالمملكة العربية السعودية هي من ضمن منظومة هذه الدول التي تلتقي مع توجهاتها الدينية والسياسية والثقافية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية فعندما نطالب بتطوير التعليم في المملكة أو في أي بلد خليجي فإنما يشمل الكل لأن التشابه والرؤية واحدة في كل شيء فلهذا راودتني فكرة تطوير التعليم من خلال الركائز التالية:
1- الثوابت وعندما أقول الثوابت فإنني أقصد الإسلام ولغته ومثله وقيمه التي تحقق العبادة في أعلى درجاتها (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وهذه الغاية التي من أجلها خلقنا لأن الملاحظ الآن في معظم سياسات التعليم في بعض الدول العربية والإسلامية تركز على الوسائل وتهمل الغاية فمثلاً تتكلم عن حاجة الأمة إلى التخصصات بجميع مجالاتها واحتياج سوق العمل فقط أما الدين تعتبره اختياريا ونست أن هذه التخصصات التي أشرت إليها هي ليست غاية إنما هي وسائل معينة للإنسان لكي يحقق ويؤدي العبادة التي أراد الله في أعلى درجاتها.
2- التخصص الذي يجب أن يكون حاضراً في أروقة التعليم ومنذ زمن مبكر ولا سيما في المرحلة الإعدادية الذي تتضح فيه ملامح ومواهب الطالب والتي يكتشفها المعلم والمعنيين بالتوجيه والإرشاد الطلابي والتي على ضوئها يتم توجيه الطالب إلى التخصص الذي يتناسب مع ميوله ورغباته ويتم دعمه وتشجيعه للمضي قدماً في هذا التخصص والدراسات الأخرى النظرية تستبعد تماماً باستثناء الثوابت التي أشرت إليها في رقم (1) والمواطنة في رقم (3) لأن الملاحظ الآن أن الطالب يأخذ مواد كثيرة يغلب عليها النزعة الثقافية مثل كتب التاريخ والجغرافيا والتي يمكن الطالب أن يتحصل عليها من مصادر المعرفة الأخرى من خلال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى وما ينطبق على التخصص العلمي ينطبق على التخصص النظري.
3- لابد أن تكون المواطنة حاضرة عند كل أبناء هذا الوطن فتاريخ المملكة وإنجازاتها على كافة الأصعدة التاريخية والجغرافية والسياسية وقادتها ملوك هذه البلاد الذين قادوا هذه الملحمة يجب أن يكونوا حاضرين معنا لأنهم انطلقوا وفق توجهات ربانية رسخوها من خلال تحكيم الشريعة الإسلامية وعمارة الحرمين الشريفين روحياً ومادياً وبناء الإنسان السعودي وفق العقيدة الصافية التي تنورت بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والتي جوهرها الوسطية والبعد عن التشدد والتطرف ونتذكر حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة المكرمة عندما قال قولاً مشهوراً إنك لأحب البقاع إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت.
وهذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدحظ الأقوال التي ترى أن الحديث عن الوطنية مناقض للثوابت فالوطنية محورها الإنسان فليس هناك بلد بدون إنسان فعندما يرتبط بالمكان تتحقق له سبل العيش والإقامة التي تساعده في تحقيق الأجواء لكي يعمل ليخدم الأمة فالمواطنة إذا هي مكتسبات الأمة يجب المحافظة عليها والتضحية من أجلها فالمدارس والجامعات والمساجد والمستشفيات والحدائق والمطارات والمحميات والمرافق الحكومية والشوارع والملاعب والاستادات الرياضية والمراكز الثقافية كل هذه هي جزء من مكونات المواطنة وقبل هذا وذاك اللحمة الواحدة والبعد عن النزعة القبلية والطائفية.
أخي القارئ الكريم إن ما أقصده في هذه المقالة أن نخفف من هذا العبء الهائل من المعلومات والذي نشاهد طلابنا وطالباتنا يحملونه بأيديهم وعلى ظهورهم ولاسيما طلاب المرحلة الابتدائية الذي يصل ما يحمله الطالب في حقيبته أكثر من عشر كيلو لا يحتاج منها إلا ثلاث كيلو منها والتي حصرتها في الركائز التي أشرت إليها لأننا في عصر أصبحت المعلومة في متناول أيدينا خلال ثواني فالذاكرة التقليدية وإن كانت أساسية في حياة الإنسان إلا أن التقنية خدمتها كثيراً وخففت عليها إرهاق الذهن فلهذا أطالب المسئولين في وزارة التربية والتعليم وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أن يعيدوا النظر في مناهج التعليم الحالية ويركزوا على المحاور التي أشرت إليها وهي بلا شك سوف توفر المناخ المناسب للتعليم الذي يتطلع إليه أبناء هذا الوطن.
والله من وراء القصد...