كنت أتجاذب مع بعض الأصدقاء أطراف الحديث عن سر اختفاء الطائرة الماليزية، وعدم قدرة العالم حتى الآن بتقنياته البحثية المتطورة على تفسير اختفائها؛ قلت : ليس لدي أدنى شك في أن بعض السعوديين (التقليديين)، سيُرجعون قضية اختفاء الطائرة الماليزية - كالعادة - إلى (الجن) ،خاصة ممن يُروجون للخرافة، أو من يسترزقون منها؛ فالجن في معايير هؤلاء وراء كثير من القضايا الغامضة؛ ففي تحليلهم هناك احتمال أن ثمة عصابة من الجن (الخبثاء) ربما أنهم كانوا من ضمن ركاب الطائرة دون أن يعلم بهم أحد ، وبعد الإقلاع دخلوا في جسد الطيار ومساعده، ثم استلموا دفة قيادة الطائرة وخطفوها إلى عالمهم . لذلك فإن كل المحاولات ستؤول إلى الفشل ما لم يستعينوا بأحد (المتخصصين) المشهورين من جماعتنا مثلاً، ليتأكد من أن الجن، أو بلهجتنا (السِّكِن)، ليس لهم علاقة باختطاف الطائرة.
والخرافة ليست وقفاً على ثقافتنا، فالسودانيون - (أشقاؤنا) - يشتركون معنا في الإيمان بهذه الخُزعبلات.. جاء في موقع (بوابة النيلين) السودانية على الإنترنت، حول عجز العالم عن اكتشاف سر اختفاء الطائرة الماليزية ما يلي : (وفي ظل هذا العجز الدولي في العثور عليها أو حطامها أو أي اثر لها، يخرج علينا الشيخ» بلة الغائب» ليؤكد بأنه يعرف مكان تواجدها وإنها موجودة في بلاد (الجن الأحمر) وأنه قادر على العثور عليها إذا ما طلب منه ذلك) . ويُعلق الزميل السوداني الذي أورد الخبر في الموقع ساخراً : (تخيّلوا معي «الشيخ بلة الغائب» في زيه السوداني الخالص الأبيض الناصع البياض - (جلابية وعِمة وملفحة وسروال طويل ومركوب جلد نمر) - يُطل على جموع الشعب السوداني وقد ملأت ساحات المطار لوداعه، لأن العالم أخيرا ينتظر رجلاً سودانياً ليخدمه، يُحيي «بلة الغائب» الجماهير، ويُلوح بيديه بعلامة النصر؛ ومراسلي القنوات والصحف خُصص لهم الجزء الشرقي من الساحة إمام صالة كبار الزوار ، أما الجماهير فقد اصطفت على طول شارع المطار ومدخله يرفعون لافتات تُمجد هذا البلة الغائب الحاضر)!
أما هواة تراكيب الأرقام من الخرافيين، ممن يتكئون عليها كخيط دلالة من شأنه أن يُفسر لهم هذه الظواهر الكونية الغريبة فيؤكدون : ( أن الرحلة تحمل رقم 370 واختفت في 3- 7 أي السابع من شهر مارس لتقطع مسافة وقدرها 3700 كم وكانت تُحلق على ارتفاع 37 ألف قدم و من سُرِقَ منه جوازه من طرف أحد الركاب كان عمره 37 سنة، والخطوط الماليزية هي من كبريات شركات الطيران في آسيا وتنقل يومياً من المسافرين 37 أف مسافر ؛ فهذا التوافق الرقمي العجيب مع الرقم 37 يجعل من هذا الرقم ومضاعفاته رقماً مشئوما بالنسبة للماليزيين) ؛ وهناك من المسافرين من سيصبح يتشاءم من الرقم 37 ومضاعفاته في تنقلاتهم وسفرياتهم، مثلما يتشاءم الغربيون من الرقم 13 .
وتقول خرافة أخرى موازية إن ثمة منطقة فوق المحيط الأطلسي بين برمودا و بورتوريكو وفلوريدا في أمريكا يُسميها الأمريكيون (مثلث برمودا)، وتُسمى أحياناً (مثلث الشيطان) . ويَعتقد بعض عوام الأمريكيين أن ثمة (دولة للجن) تقطن هناك، حيث اختفت كثير من الطائرات وكذلك السفن في هذه المنطقة ولم يُسمع لها ذكر منذ اختفائها حتى الآن؛ والتفسير الأسطوري لهذه الظواهر أن الجن هم من اختطفوها وأخفوها.
بقي أن أقول إن العالم سيكتشف السبب العلمي الحقيقي لاختفاء هذه الطائرة يوماً ما، وإذا لم يكتشفه - وهذا احتمال وراد بالمناسبة - فلا يعني أن هناك قوى خارقة، أو ما فوق طبيعية، تدخلت وأخفت الطائرة؛ هذه كلها أوهام وتكهنات وأساطير قد يقتنع بها الإنسان البدائي البسيط، أما اليوم فليس ثمة إلا العلم والمعايير العقلية المحسوسة هي التي تُفسر لنا هذه الظواهر؛ مع احترامي للشيخ «بلة الغائب» السوداني وأقرانه من جماعتنا واكتشافاتهم العظيمة.
إلى اللقاء