عندما تشتد حالات فرز المواقف، واستقطاب الأحداث - عربياً ودولياً وإقليمياً -؛ لتلقي بثقلها الديموغرافي والإثني على دول الجوار، إضافة إلى تقسيم سوريا إلى مناطق عدة، فإن التسليم جدلاً بهذه السناريوهات المحتملة، مع أن نتائجها سيدفع ثمنها الباهظ الشرق والغرب معاً، هو ما سيسعى إليه الأسد، باعتبار أن أية أزمة عالمية تجذب انتباه الولايات المتحدة، وتشغلها عن سوريا، ستصب في صالح بقائه في السلطة، واتجاهه - بالتالي - إلى إعادة انتخابه مجدداً لسبع سنوات جديدة، مستخدماً في ذلك القوة العسكرية، لمواجهة قوات المعارضة، ورفض إجراء محادثات مع قوى المعارضة، من شأنها أن تؤدي إلى رحيله عن السلطة.
في المقابل، فإن تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون)، عن أبعاد الأزمة الإنسانية في سوريا، بأنها: «غير مسبوقة في التاريخ الحديث»، مشدداً على ضرورة أن «يفعل العالم كل ما يمكن؛ لوقف معاناة الشعب السوري»، تثير أسئلة دون وجود إجابات شافية، حول التغاضي عن التعاطي مع تطورات الأزمة، ورد الفعل الدولي على المستويين - الإنساني والأمني -، ضد نظام فاقد للشرعية، ومتجاوزاً البعد الأخلاقي، والتي تعددت حدود القبول.
البعد الإنساني لأزمة الشعب السوري، هي امتداد لصورة أوسع للأزمة السورية، حين تفاقمت الظروف الحياتية القاسية، مع تصاعد وتيرة العنف، ودخول الصراع إلى مرحلة أكثر دموية؛ لتتحول انتهاكات حقوق الإنسان إلى جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، في ظل حالة من اللامبالاة بدماء الشعب السوري، فكانت تلك المأساة أسوأ مأساة إنسانية في التاريخ الحديث.
بل إن ما يحدث في سوريا اليوم، هو أكبر من أن تستوعبه وقائع التاريخ، بعد أن غرست الكارثة بأصابعها القذرة؛ لتظهر المعدلات القياسية للغة القتل المرتفعة، وبصورة غير مسبوقة، دون أن يتمكن العالم من السيطرة على طاغية العصر، رغم تحمله لكامل المأساة السورية.
مثّل الصراع في سوريا أخطر أزمة ستهدد الأمن العالمي - شئنا أم أبينا -، وذلك منذ قرابة العقود السبعة الماضية. فالأوضاع معقدة، والعواقب الإنسانية عميقة الجذور، فرضته - مع الأسف - ظروف المرحلة التاريخية، وجمود الموقف الإقليمي، والدولي المتعلق بالأزمة، والذي أخذ بعداً في وجهات النظر المتباعدة تجاه الأزمة، - لاسيما - بعد تجدد الصراع السياسي مع الصراع المذهبي، والديني.
في ظل غياب أفق لحل سياسي قريب، أو سلمي للأزمة، وحيث تتضاعف التداعيات الإنسانية، والمادية، سأطرح سؤالي، وأغادر: هل سيتمكن المجتمع الدولي بعد مرور ثلاث سنوات على الأزمة السورية من احتواء ما يجري على الأرض عند الحدود الدنيا من كلفة الخسائر المادية، والبشرية؟، أم ستسمر الأحداث في عملية تفاعلية مع تطورات الأوضاع بتعقيداتها الإقليمية، وتوازناتها الدولية، التي - كانت ولا تزال - تقف حائلاً، دون تهيئة المناخ لحل شامل للأزمة؟.