كغيري من بني جيلي وكذا من جيل أبي لم ندرك ما سمعناه من جدي جيل ثلاثينيات القرن الهجري الماضي عن اضطراب الأمن وحكايا قطاع الطريق والمناوشات بين القبائل والقرى وحوادث القتل والنهب في مرحلة الفوضى قبل ظهور البطل ابن سعود.
وكذا سمعت من أبي ما كان يتابعه وأقرانه من جيل ستينات القرن الهجري الماضي عبر وسيلة الاتصال الوحيدة آنذاك وهي المذياع من: هنا لندن وصوت العرب وإذاعة الكويت وطرائف إذاعة (طامي) وكانت أبرز مادتها وقتها هي ثورات العسكر ضد العروش العربية والتي لم تكن أخبارها تخلو من إزهاق أنفس معصومة وهتك أعراض مصانة وإتلاف أموال محترمة.
وعاصرت مع جيلي من مواليد تسعينات ذات القرن أخبار الحروب من الحرب الإيرانية العراقية لحرب تحرير الكويت واهتزاز المنابر بالدعاء للمجاهدين الأفغان وشاهدنا عبر التلفاز والصحف آثار هذه الحروب على أطرافها قتلاً وتشريداً وهدماً أما القضية الفلسطينية فكانت هي الإرث الذي نحمل همه حتى كتابة هذه السطور.
واليوم أشاهد مع أولادي ثورة ما يُسمى بالربيع العربي وآثار ما خلفت وراءها وما أنتجت أمامها وما حملت فوقها وما وضعت تحتها وما زال هناك من يكابر.
أقول: تلقى الشعب السعودي النبيل ببالغ الفرح والسرور الأمر الملكي الكريم بتعيين سيدي صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد، كيف لا والأمير مقرن بن عبدالعزيز كفاءة إدارية وحنكة سياسية وخبرة عسكرية ودراية بأحوال الناس. لهذا الأمر الملكي ظهر الارتياح جلياً على محيّا الناس وتلقوا التهاني فيما بينهم مبتهجين متفائلين.
إن المتمعن في الأمر الملكي يدرك جلياً خطورة المرحلة الحالية، فالجار الشرقي لا يكف عن تهديده لدول الخليج والجار الشمالي ما زال يعيش وضعاً مضطرباً جراء فتنة طائفية تجاوزت العقد من الزمن وجاره المكلوم صارت بلدهم سوقاً خصبة للسلاح، الثقيل بيد النظام والخفيف بين الشعب والنتيجة بداية حرب أهلية تفطر قلب من يراها فكيف بمن يعيش رحاها.
الأمر الملكي الكريم هو رسالة وفاء من أبناء المؤسس - طيّب الله ثراه- على ما عاهد عليه المؤسس وأبناؤه من بعده هذا الشعب النبيل على العدل والأمن وحماية الثغور والتنمية.
الأمر الملكي الكريم هو رسالة تأكيد للمسلمين في كل بلاد العالم على التزام الأسرة المالكة بأمن الحرمين الشريفين وعمارتهما وتوفير الطمأنينة لقاصديهما.
الأمر الملكي الكريم هو رسالة التزام للعالم الحر بالحفاظ على مقدرات الشعوب لاستمرار الحياة العامة وذلك باستمرار تدفق النفط بأمان وتيسير وصوله لجميع محتاجيه والتقيد بضوابط السوق عرضاً وطلباً وتجنب المجازفة بهذا السلاح الخطير في الصراعات السياسية والتي أدرك العالم قبل أربعين عاماً خلت تأثير انقطاعه عن حياتهم.
لم يعد يخفى على أي كائن يعقل حول العالم الأثر الإيجابي للاستقرار السياسي فأمن المواطنين ودوران عجلة التنمية واحترام الشعوب للشعوب والتبادل المعرفي والصفقات التجارية كلها مرهونة بالاستقرار السياسي.ولو لم يكن للاستقرار السياسي أهمية في الحياة العامة لما اهتم به المشرعون في الدول المتقدّمة علمياً وتقنياً ولهذا فإن غالبية الدول تضع تربية الناشئة على المحافظة على النظام الحاكم في مفردات مناهجها فيقسم الشباب في الدول الملكية على المحافظة على النظام الملكي ومثلهم في الدول الجمهورية وكذا الاشتراكية. والإسلام سبق أنظمة العالم بإقرار نظام البيعة, والنصوص القرآنية والنبوية فيها معروفة كما أفرد لها بعض الفقهاء أسفاراً خاصة تبيّن أحكامها إلزاماً والتزاماً, وما زال المسلمون يتوافدون على ديوان الحكم لمبايعة الحاكم من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا مستشعرين عظمة البيعة على دينهم وأمنهم وازدهار اقتصادهم وعلوا مكانتهم بين الأمم.