من أكبر مشاكل مجتمعنا وأكثرها تعقيداً، هو تعامله مع الأشخاص، وتكوينه صورة مسبقة من الصعب تغييرها، سواء كانت صورة سلبية أو إيجابية، فهو إما أن يمنح الشخص القداسة، ومن الصعب المساس به، أو الحديث حوله، أو ملاحقته في كلماته وحركاته وسكناته، فما أن يقول «لا إله» حتى تهب في وجهه سياط الانتقاد والتخوين والتكذيب، حتى لو اتضح فيما بعد خلاف ذلك!
فعلى سبيل المثال، ينجرف المجتمع إلى السخرية من وزير يعمل بدأب، وحتى لو نجح أحياناً في بعض أعماله، ولو حقق بعض الإنجاز النسبي، فإنه سيبقى في نظر الجميع فاشلا، وعلى العكس من ذلك، يمنح بعض الوزراء هالة من القداسة، فتتحول واجباته المنتظر العمل بها إلى أعمال خارقة، وفي كلا الموقفين خطأ في التعامل مع الأشخاص، وربما ليس خطأ فحسب، بل ترصّد بالبعض، ونكاية فيه، فمثل هذه المجتمعات تتورط في التعامل العاطفي، ولا تقدّر المواقف والشخصيات بطريقة عقلانية!
لذلك من الطبيعي أن نجد انسياق هذه المجتمعات خلف الوزير الفلاني، وجعله رجلا خارقا، لا يأتيه الباطل أبدا، ولا يخطئ في مجمل ملفات وزارته وقضاياها، فنقرأ في المواقع المنتديات: انظروا الوزير الفلاني وهو يراقب إحدى الصيدليات من أجل حمايتك! وكأنما ما يقول به مكرمة وتفضلا منه، وليس من مهماته وواجباته التي أدى القسم عليها حين استلم هذه الوزارة أو تلك.
ولا يتوقف الأمر حول مهماته، بل حتى في سلوكه الإنساني اليومي، الذي يتم تعظيمه وتبجيله بشكل مبالغ فيه، فالوزير الفلاني يوقف سيارته، ويترجل منها، كي يسلّم على رجل مسن، ويقبل رأسه، وكأنما على الوزير ألا يكون إنسانا، ولا يحترم الآخرين، بل يتعالى عليهم، ويقطب حاجبيه على الدوام، ولا يجيب على السائلين، كأنما هذه مواصفات الوزير أو من هو في مقامه، حتى أصبح عملا عابراً، وعادياً، كالسلام على مواطن هو من الأعمال الإنسانية العظيمة، التي تجعل مغردين في تويتر يتداولون هذا الموقف العظيم، رغم أنه عمل متوقع يجب عدم تضخيمه!
حينما يعود المجتمع إلى صوابه، وإلى تعامله العقلاني المنصف، وإلى فهمه لمهام هؤلاء المسؤولين، والدور المتوقع منهم، ومحاسبتهم بانتقاد إيجابي، دون إفراط ولا تفريط، ودون تجريح ولا تقديس، بل الانتقاد الذي يحترم شخصية هؤلاء وكينونتهم، ويحفظ لها مقامها، حينما يصل المجتمع إلى ذلك، فسيعمل الجميع بإخلاص تحت مظلة الرقابة الواعية، لأن المسؤول وقتها يدرك أن المواطن ينتظر منه الإنجاز والإخلاص في العمل، كي يبادله ذلك بمزيد من الثقة والتقدير.
جميعنا نشعر بالاطمئنان حينما تصبح العلاقة بين المسؤول والمواطن علاقة ثقة واحترام وتقدير، ويعمل الجميع تحت الشعور بأهمية هذا الوطن، وحقه علينا بتطويره وتنميته، وحق المواطن بالتساوي في الحصول على الخدمات التي تضمن راحته واطمئنانه ورفاهيته.