أجرب اليوم الخروج عن النمط الجدي الذي أتهم به في اختيار المواضيع. سوف أحاول تخفيف الجدية التي يتهمني بها بعض القراء. أحدهم كان خفيف الظل (وما زال)، طلب مني صراحة ً أن أنزل قليلا ً من أعلى البرج، سألته كيف؟، قال باللهجة الدارجة لا تثقل حيل جزاك الله خير، ما عندك إلا جد في جد وأنت كنت تكتب في اليمامة قبل ثلاثين سنة مقالات ساخرة مقبولة. سألته إن كان يقصد أن مقالاتي ثقيلة دم، قال تقدر تقول، يعني تقريبا ً، ثم هرش خلف رأسه وصر حاجبيه. عندما سألته لماذا إذا ً يقرأ هذه المواضيع أجاب بأن ذلك أحيانا ً من باب الوفاء لصداقتنا القديمة. ودعته مشوشا ً لأنني لم أكن أعتبر نفسي جديا ً إلى هذه الدرجة، ولا أن صاحبي القديم يتمتع بكل هذا المستوى من موهبة السخرية اللاذعة.
لاحقا ً تذكرت هذا الحوار الحقيقي وأنا أشاهد برنامج روتانا خليجية «يا هلا» في واحدة من حلقات المسلسل الحواري المكسيكي بين الصديقين علي العليان وأحمد العرفج. عفوا ً فأنا لا أقصد بوصف مكسيكي أي معنى آخر سوى ما يتعلق بعدد الحلقات، ولكن مع الإشادة بالقدرة المتجددة على انتزاع الإعجاب والابتسامات من صدور الكادحين المرابطين أمام التلفزيون.
بكل جد، علي العلياني وأحمد العرفج يشكلان إضافة متميزة من المرح التربوي والتعليمي والترفيهي على البرامج السعودية الصحراوية الناشفة. لا أدري لماذا أتذكر فورا ً الكوميديين الأمريكيين لاورل وهاردي عندما أشاهد العلياني والعرفج في يا هلا، ربما لأن أحدهما نحيف والآخر بالعكس، والنحيف يتظاهر بأنه لم يفهم ويسأل كثيرا ً، والأكثر امتلاءا ً يبدو دائما ً واسع الصدر وعنده جواب جاهز وممتع على أي سؤال، والنحيف يصبر ما استطاع ثم يلكز صاحبه بتعليق نافذ من تحت الحزام، وهذا يرد بابتسامة مشرقة وتعليق ساخر، مما يجعل أسارير المشاهدين تتفجر بالدموع من شدة الاستمتاع والضحك. صدقوني أن هذا فعلا ً ما أشعر به أثناء متابعة العلياني والعرفج، ولذلك أحرص على مشاهدة كل حلقة تسمح لي بها الظروف. الحلقات والحمدلله كثيرة ومتجددة.
أريد أن أعطيكم مثالا ً على نوعية المتعة التي أحصل عليها من يا هلا مع العلياني والعرفج. في حلقة الأربعاء ما قبل الفائت تمازح علي وأحمد حول طالب بعثة سعودي ذهب إلى بريطانيا للدراسة ويبحث عن سكن مع عائلة انجليزية لتسهيل المهمة، أقصد مهمة التحصيل اللغوي. توجب على ابننا المبتعث أن يملأ الاستجواب المطلوب من قبل الإنجليز للتعرف على شخصيته وعقليته وما إلى ذلك. أجاب على السؤال حول برنامجه اليومي بالطريقة التالية: أصحو الساعة الخامسة صباحا ً، أصلي الفجر، ثم أصفر لمدة ساعتين، ثم أتناول الإفطار وأذهب إلى المعهد. كان الاستبيان باللغة العربية لأن ابننا المبتعث لا يزال في أسفل السلم في اللغة الإنجليزية، ولكن ربما يتمكن منها فيما بعد، قولوا آمين. المهم، ترجم المترجم كلمة «يصفر» بما يقابلها تماما ً في الإنجليزية، أي أن الطالب يطلق أصواتا ً موسيقية من فمه أو ربما من صفارة حقيقة بعد صلاة الفجر. العائلة الإنجليزية رفضت قبوله للسكن معها، لأن مدة التصفير التي ينوي الطالب السعودي أداءها في الصباح الباكر غير معقولة، ولكن العائلة أبدت إعجابها الشديد بقدرة هذا الشاب السعودي على الصفير لمدة ساعتين متواصلتين من فجر الله قبل الإفطار، وهنأته على الموهبة.
كنت أشاهد الحلقة مع ابني وضحكنا كثيرا ً مع العلياني والعرفج وبالتأكيد مع جمهور المشاهدين.
أصلا ً الإنجليز لديهم أعداد هائلة من العصافير الجميلة في حديقتهم تصفر لهم بالإنجليزي من الفجر إلى المساء، وليسوا بحاجة إلى سعودي يصفر لهم بالعربي في الصباح الباكر لمدة ساعتين متواصلتين.
لذلك أسأل الصديق أحمد العرفج عن ما هية ونوعية ومصدر صفير طالب البعثة، هل هو فعلا ً صفير أم شخير أم أصوات يختلط فيها الحابل بالنابل.
يا صديقاي الظريفين علي وأحمد تقبلا مودتي وابتهاجي بساعات المرح التثقيفي الترفيهي في كل حلقة من مسلسلكما المكسيكي «يا هلا بالعرفج».