كثيرًا ما كتبنا بنزق، وقلق، حول قضايانا المهمة، التي تُعنى بمستقبل الوطن والمواطن، حتَّى بدت كتاباتنا محمّلة بالإحباط مما يحدث، وبما ينتظرنا في الأيام القادمة، وبالرغم من ذلك الشعور الذي يحيط بنا، وبأننا داخل نفق طويل، إلا أن ثمة ضوء يبشر بالخير والأمل، يشعرنا أننا في هذا العصر، عصر الشفافية والإرادة، نستطيع أن نصنع مستقبلنا المشرق بصبر ودأب، وثقة بالله أولاً، وبقدراتنا وإرادتنا ثانيًا.
ففي الوقت الذي أصابنا القلق على مستقبلنا، ومستقبل أولادنا، والأجيال القادمة، من نضوب أو استهلاك مجمل مواردنا الطبيعيَّة في الداخل، وعدم قدرتنا على المحافظة على كوننا مصدر الطاقة في العالم، شعرنا بالطمأنينة والفخر حينما تتبعنا ما يحدث من خطوات مهمة في البرنامج السعودي لكفاءة الطاقة، الذي يضع إستراتيجية وطنيَّة متميزة تهدف إلى ترشيد استخدام الطاقة، والحد من الاستهلاك المحلي للبترول والغاز، ولا يتوقف عند وضع هذه الإستراتيجية فحسب، بل يقوم بتنفيذها - وهذا هو الأصعب - وذلك بالعمل التكاملي مع كافة الجهات ذات العلاقة في شأن الطاقة.
هذا البرنامج الرائد، الذي يقوده باقتدار، الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، وفريق شاب طموح وجاد، حقّق حتى الآن خطوات مهمة في مجال ترشيد الطاقة، من خلال التركيز على ثلاثة عناصر، هي: المباني، والنقل، والصناعة، وفي كلِّ عنصر من هذه العناصر تندرج عدّة بنود ذات علاقة باستهلاك الطاقة وترشيدها.
وميزة هذه البرنامج المتميز، أنه لم يكن مصيره ككثير من المشروعات والأعمال الحكومية، مُجرَّد خطط وإستراتيجيات تنام في الورق، وتُهمل في الأدراج، بل هو ماثل أمامنا في الشوارع والقنوات الفضائية، والصحف اليومية، في خطوته الأولى الكبيرة، المتعلّقة بأجهزة التكييف، التي تستهلك نصف استهلاك المباني من الكهرباء، وذلك لسبب بسيط ومحزن، أننا كنا نستورد أقل أجهزة التكييف كفاءة في العالم، ومعايير الجودة في كفاءة الاستهلاك عندنا هي الأقل في العالم، وعلينا أن نضع المعايير الجديدة، أسوة بدول العالم المتقدم، وألا نتوقف عند ذلك، بل نتحدى بشجاعة جميع العوائق، ونطبق هذه المعايير، ونفرضها بقوة النظام على السوق، وهو ما فعله هذا البرنامج، بشكل عقلاني ومتزن، ومنح الفرصة تلو الأخرى، للموردين والمصنعين، وأوقف بالتنسيق مع الجمارك الأجهزة المخالفة للمواصفات، وبعدها بأشهر، وحسب الخطة الموضوعة والمعلنة للموردين والموزعين، تمَّت مصادرة الأجهزة المخالفة من الأسواق، التي قاربت المليون جهاز تكييف، كان من الممكن أن تلتهم المزيد والمزيد من مواردنا الطبيعية، فقمنا بهذه الخطوة الأولى بتوفير نحو خمسة عشر مليار ريال على مدى عشر سنوات قادمة، هي العمر الافتراضي لهذه المكيفات التي تمَّت مصادرتها، التي كانت ستلتهم مواردنا وأموالنا، لو تسللت إلى منازلنا!
إذا كانت هذه الوفورات في الوقود وتكاليف إنتاج واستهلاك الكهرباء، قد تحقّقت من هذا الرقم فقط، ومن عنصر واحد، هو المكيفات، فكيف إذا اكتمل هذا البرنامج، وطبّقت مواصفاته فيما يتعلّق بالأجهزة المنزلية الأخرى، ومصابيح الإنارة، والإلزام بتنفيذ العزل الحراري في المباني، ووضع مواصفات مركبات النقل الخفيف والثقيل وغيرها؟
لا شكَّ أنه سيحقّق الكثير من الإنجازات، ويحافظ على معدل استهلاك الطاقة، دون نموه المتصاعد المخيف، وسيحافظ حتمًا على مخزوننا الإستراتيجي من الطاقة، لنا ولأولادنا في مستقبل هذا الوطن!