عن المرضى النفسيين .. مرة أخرى

تتوالى القصص المؤلمة للمرضى النفسيين الذين لا يجدون الرعاية المناسبة، وقد لا يجدون أي رعاية من أي نوع! هؤلاء يهيمون على وجوههم في الشوارع ويتلقفهم العابثون والمجرمون ويتعرضون للأذى وللسخرية، وقد يؤذون عابري الشوارع أو ممن يتصادف وجودهم أمامهم. ولازالت مأساة البائع الهندي الذي تعرض للقتل في الشارع على يد أحد المرضى النفسيين حاضرة في الأذهان لشدة بشاعتها ومأساويتها، وقد حدثت أمام الجميع ولم يتمكن أحدٌ من إنقاذ البائع المسكين.

وكنت قد كتبت عن هذا الموضوع، وتلقيت بعض الردود والتعليقات عبر البريد الإليكتروني وحسابي في تويتر. وقد استوقفني التعقيب الذي تفضل به الرائد مبروك بن خميس الهمَّامي الذي يعمل في إحدى الإصلاحيات حيث ذكر أن هذه الفئة يتزايد عددها بمرور الأيام وتحتاج إلى الدعم والمساندة وتقديم الرعاية. وأضاف: «إننا في المديرية العامة للسجون نعاني من هذه الفئة وذلك لأن بيئة السجن غير مهيأة لهم، فقد يُخشى على العاملين والسجناء الآخرين من خطر المرضى النفسيين، وأحياناً يقومون بإيذاء أنفسهم».

ويضيف الرائد الهمّامي:» جلست مع أحدهم وهو مرتكب جريمة قتل حيث قتل أخاه وهو في اللاشعور! ومثل هذا كثير داخل السجن وخارجه، وإن لم يُلتفت لهم بعين الاهتمام فمستقبلهم ومستقبل مجتمعهم مجهول».

في هذا التعقيب يعلق الرائد الهمَّامي الجرس وينبه إلى جانب مهم للغاية وهو أن هؤلاء المرضى النفسيين الذين قد لا يجدون الرعاية من المجتمع وينتهي بهم المطاف إلى السجن ربما لايجدون هناك أيضا الرعاية لأن بيئة السجن ليست مهيأة لهذا النوع من النزلاء مما يشكل خطراً على النزلاء الآخرين وعلى العاملين.

إن ما ذكره الرائد الهمَّامي قد يبدو صادماً، ولكن علينا ألا نستغرب لأن هؤلاء المرضى النفسيين الذين لا يجدون بيئة مهيأة في المستشفيات لن يجدوها في السجون! فالمستشفيات تغص بالسجناء ممن لا يعتبرون مرضى نفسيين، وتوجد معاناة كبيرة يواجهها العاملون في السجون والإصلاحيات في التعامل مع النزلاء العاديين فكيف يكون الأمر مع النزلاء المرضى ممن يعانون من الاضطرابات النفسية.

مرة أخرى، نقول إن المرضى النفسيين بحاجة إلى التفاتة جادة من المجتمع ومن الأجهزة الحكومية ذات العلاقة. هؤلاء في ذمتنا جميعاً، ويجب رفع المعاناة عنهم، وعندما نساعدهم سنكتشف أننا نساعد أنفسنا أيضا.