تعتبر الأحداث التي تعصف بالعالم بأسره، من قبيل (الظرف التاريخي) الذي ينبغي التعاطي معه بهدوء، وبدون ضجيج. فالصراع هو أساساً بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا اللتين تتصارعان على لقب القطب الأقوى والأوحد. وعن إلباس الخارجين عن القانون ممن يسمّون بالإرهابيين لباس المبشرين بالدين الإسلامي فهي طريقة مفضوحة وكان أول المتضررين منها أميركا.
ونلاحظ الآن ارتفاع وتيرة العنف والقتل في مصر من قبل الجماعات المسلحة التي تغذيها حركة الإخوان المسلمين التي اختطفت ثورة 25 يناير بشعارات يسيل لها لعاب الجماهير وحين انتخب المصريون مجلس الشعب (البرلمان) بغالبية تصل إلى حدّ 70 % ثم تم انتخاب الرئيس المخلوع (محمد مرسي) وهي الآن تقوم بأعمال التخريب والقتل باعتبارها صاحبة (الشرعية) وكلمة الشرعية قابلة لعدد من التفسيرات وأولها احتكار الحقيقة عبر احتكار الحقيقة. وحين تحرك الجيش المصري بقوة وحزم في 30 يونيو كان قرابة ثلاثين مليوناً قد رفعوا لافتات صريحة تقول (نفوض الجيش) وهذه الانتفاضة التي أوصلت المشير (عبدالفتاح السيسي) إلى مركز القائد والعراب والملهم. وهي أيضاً من ستوصله إلى منصب (رئيس الجمهورية).
إننا لو أردنا العودة إلى تاريخ حركة الإخوان المسلمون لاصطدمنا بعدد كبير من التناقضات والأفعال التي لا يباركها أيّ دين وخاصة الدين الإسلامي المعروف بانحيازه للعدالة والمشاركة والمساواة والتحرر من ضغوط الشهوات والرغبات المتعددة في الزعامة والجلوس على مقعد الرئيس. ولو ركّزنا على مصر لوجدنا أن مطالب الإخوان ومسانديهم ليست ذات أبعاد سياسية عميقة أو أن خطابها يحمل لغة جديدة إلى لغة تخاطب الإنسان كونه مخلوقاً حمل الأمانة من الله بعد أن عرضها الله على الأرضين، و الجبال، والسماوات، فأشفقن منها، و(أبَين) أن يحملنها. ولكنها مطالب تتخذ من الدين مطية لتحقيق مصالح دنيوية تعود إلى زعماء الحركة. لأنه لم ترِد مطلقاً ضمن هذه المطالب مناقشة ومراجعة اتفاقية السلام مع إسرائيل التي بسببها استأسدت إسرائيل على مجمل الأقطار العربية بل وعلى الأقطار غير العربية التي تساند القضية الفلسطينية. ولم تكن شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية والخبز وهي الثلاثية التي فجّرت ثورة 25 يناير واردة في اعتراضات الذين يسمّون مبادرة الجيش بقيادة (السيسي) انقلاباً!
ولنعلم (مغالطة) هؤلاء حقّ العلم، علينا أن نتساءل عن الشكل النموذجي للانقلاب. إنه -فيما نعلم- هو الثورة ورفض النظام الحاكم بكافة أشكاله وخطاباته. بينما إنه عندما قامت ثورة 30 يونيو لم يكن هناك نظام حاكم معيّن أو (محدّد) كانت هنالك السلطة الرئاسية ممثلة بالرئيس المخلوع والمرشد العام للإخوان المسلمين (محمد بديع) الذي يجيز للرئيس حتى خطاباته بعد تعديلها. وأما المؤسسة الرسمية فلم تكن هنالك مؤسسة رسمية بالمعنى المعروف. وازدحمت أجندة الحكام الإخوان بالبروتوكولات والزيارات التي كانت أشهرها زيارة وزيرة خارجية أميركا (هيلاري كلينتون) للقاهرة ثلاث مرات في أقل من شهرين. وكانت الوزيرة صريحة عند ما قالت للصحفيين إن زياراتها هي من أجل التأكد من سلامة إسرائيل وبالطبع كان سؤالها الملحاح (هل سيغيّر النظام الجديد من سياساته المتعلقة بمعاهدة كمب ديفيد؟!) وأجابها الرئيس بأن مصر ماضية في طريق السلام وعلى رأسه المعاهدة الآنفة الذكر!
فإذا كان هذا حال النظام السياسي زمن (محمد مرسي) وإخوانه فإنه نظام هلامي ولم يتكوّن ولم يقم بخطىً ملموسة تجاه مطالب الثوار. مما يعني أن إطلاق كلمة (انقلاب) على حركة يونيو ومؤيديها من داخل المؤسسة الحاكمة وهم رجال الجيش البواسل وعلى رأسهم القائد الأعلى للقوات المسلحة هو من قبيل خداع الألفاظ أو لعبة غسيل الدماغ التي إن انطلت على بعض المصريين فهي لن تنطلي على الباقين وهم الغالبية الذين فوضوا الجيش في 30 يونيو.
إن مصر اليوم -إن سارت الأمور كما ينبغي!- يحكمها رجل مصري تعلم في مدرسة الجيش المصري الذي ظل محافظاً على مبادئه وأخلاقياته وقيمه ولم يتدخل يوماً فيما لا يعنيه ولكنه لم يسكت يوماً عما يعنيه!