لا تركل الكرة هكذا!
صحيح أنه قرار جريء وشجاع، وصحيح أنه تطبيقه ليس سهلا، ولا يمكن مراقبة التقيّد به أيضاً، إلا أن مثل هذا القرار، أعني تطبيق استخدام اللغة العربية داخل مدارس التعليم العام، يستحق التقدير والتشجيع، وما أخشاه أن يكون أحد القرارات التي يستهلكها الرأي العام، والإعلام، وتنتهي عند ذلك.
في نظري، يجب على من يطلق قرارا، أن يكون متأكدا من أنه قابل للتنفيذ، وإمكانية التطبيق فعلاً على أرض الواقع، أما أن ينتهي على الورق، وفي صيغة تعميم يوجّه إلى مختلف المدارس، فهو بالطبع لا يقصده، ولا يتمناه، من وضع القرار، وبالتالي ما هي العناصر التي يمكن أن تجعل هذا القرار قابلا للتنفيذ، من هم الأشخاص الذين سيستخدمون اللغة العربية، وهل إطارها سيتم داخل الفصول المدرسية، بين المعلم والتلاميذ فقط؟ أم ستفرض اللغة العربية داخل الأسوار المدرسية، وعلى الجميع خلال أحاديثهم الرسمية والجانبية؟ أي بين المعلمين والتلاميذ، وبين المعلمين أنفسهم، والإدارة أيضاً؟
الأمر الآخر، هو أن إتقان العربية بشكل سليم هو أمر متعذر على جميع المعلمين، بمن فيهم معلمي اللغة العربية، خاصة مع ضعف مخرجات التعليم العالي لدينا، خلال العشرين عاما الماضية، لذلك ما هي الإجراءات المتخذة، والبرامج المساندة، لفرض اللغة العربية الفصحى لغة رسمية داخل المدارس؟
كتبت مراراً في هذه الزاوية، أن التعليم ما قبل المدرسة، هو ما يصنع ثقافة الطفل ولغته، وما تفعله برامج الرسوم الكرتونية المدبلجة باللغة العربية الفصحى، وما تتركه من أثر على الأطفال بين الرابعة والسادسة من العمر، أفضل بكثير مما يتعلمونه بعد ذلك، وخلال ما تبقى من أعمارهم، سواء من خلال مقررات القواعد، أو لغتنا الجميلة، أو مواد المتطلبات الجامعية خلال مرحلة الجامعة.
ماذا سيقدَم للمعلمين من برامج تدريبية على اللغة الفصحى؟ وكيف يمكن تدريب وتطوير قدرات معلمي الرياضيات والكيمياء والفيزياء؟ وهل سينسحب الأمر حتى على مدرس التربية الرياضية، فنسمعه يصيح: لا تركل الكرة هكذا يا أحمد؟ وهل ستفرض الفصحى حتى على البائع الهندي في مقصف المدرسة؟
علينا أن نحترم اللغة الفصحى، وحين نقرر نفض غبارها، وإخراجها من قواميس اللغة إلى الواقع، لابد أن نكون جاهزين لهذا الأمر، ونمتلك الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك، على سبيل المثال، تعليم التلاميذ هذه اللغة من خلال برامج تدريبية وترفيهية، حتى يكونوا قادرين على عشقها، ويكونوا متحدثين بها بطلاقة، وربما لو تمت تجربة تطبيق هذا القرار على منطقة إدارية ما، أو على مجموعة مدارس مختارة، كما في برامج التعليم المطور، ومن ثم مراجعة نتائج هذا القرار، وأثره على هذه المدارس، وإقراره فيما لو كانت النتائج إيجابية، أو معالجة أخطائه لو كانت غير ذلك.
رغم كل ذلك، فإن التفكير بمثل هذا الأمر، بأن تسود اللغة العربية الفصحى مدارسنا، هو أمر رائع، ويستحق الإشادة، لأنه لو تحقق، وكانت نتائجه جيدة، سينعكس أثره حتماً على المنزل، وعلى الشارع أيضاً، وستتطور اللغة العربية نفسها، لأنها ستكون في امتحان حقيقي لقدرتها على التطور، والتعايش مع العصر الرقمي الجديد، وستستيقظ مجامع اللغة في العواصم العربية، لتحدث قواميسها بناء على التجديد في الواقع اليومي المعاش!
