عادت هيئة الإذاعة البريطانية الـ«بي.بي.سي»، من خلال خدمتها العربية، إلى سابق عهدها بتزوير وقلب الحقائق وتشويهها وتزويرها دون مهنية، كانت وما زالت تدعيها، أكذوبة لم تعد تنطلي على أحد.
في تحقيقها عن أحداث القطيف، التي قامت بها قلة من الخارجين على القانون المتآمرين ضد وطنهم، روج التحقيق للقتلة الذين وجَّهوا رصاصهم ضد رجال الأمن الشرفاء الذين يعملون بلا كلل ولا ملل من أجل المحافظة على أمن الجميع باختلاف طوائفهم.
القتلة أصبحوا في تحقيقها المشوه أبطالاً، وأصبح شهداء الأمن الذين تيتم أطفالهم، وعانت أسرهم، هم الأشرار. لكن الوطن لن ينسى قيادة وشعباً تضحيات هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بأنفسهم لننعم بالأمن، وستبقى ذكراهم خالدة في نفوس الجميع.
منطق مقلوب ومعكوس، وراءه أجندة خفية، تهدف بجلاء إلى التحريض وإشاعة الكراهية بين أبناء الوطن الواحد الذين أثبتوا بُجلهم للجميع تماسكهم والتفافهم حول قيادتهم بقناعة بأن أمن البلاد مسؤولية الكل، بمسؤولية لا تفرق بين طائفة أو مذهب، أو انتماء قبلي أو مناطقي. وفات على الـ»بي.بي.سي» أن دعاوى التحريض على الكراهية بين أبناء الوطن الواحد تتكسر مجاديفها دوماً على تماسك اللحمة الوطنية التي بقيت وستبقى - بمشيئة الله - صامدة ضد كل المحاولات اليائسة من قبل الحاقدين والأذناب ذوي المصالح الشخصية الضيقة.
تاريخياً، وللمتابع، فقد مرَّ العمل الإعلامي البريطاني الموجَّه للعالم العربي بثلاث مراحل: المرحلة الأولى هي المرحلة التي كانت فيها جُل الدول العربية لتوها خارجة من فترة الاستعمار، أو في بدايات بناء الدولة الحديثة، وكانت مصادر الأخبار في هذه الدول محدودة، سواء لأسباب فنية أو سياسية، كانت تفرضها حقيقة أنها كانت في غنى عما يثير الفرقة في وقت بناء. واستُغلت هذه الحقيقة المتمثلة في شح المعلومات لدى المواطن العربي من قبل وزارة الخارجية البريطانية، التي تقع تحت مسؤوليتها وإشرافها كل الإذاعات البريطانية الموجهة. وعليه أُطلقت الخدمة العربية لهيئة الإذاعة البريطانية من خلال إذاعة «هنا لندن» التي أصبحت مصدراً مهماً للأخبار للكثير من الشعوب العربية. وخلال هذه المرحلة استغلت وزارة الخارجية البريطانية إذاعاتها الموجهة في نشر وتسويق كل ما يخدم المصالح البريطانية، وتفوقت في ذلك من خلال استراتيجية دس السم في الدسم، وتشكيل الرأي العام العربي نحو القضايا التي تهم بريطانيا بشكل خاص، والغرب بشكل عام. المرحلة الثانية يمكن توصيفها بفترة الانفتاح الفضائي من خلال قدرة الأقمار الصناعية على تجاوز الحدود والرقابة وتنوع مصادر الأخبار.
وفي هذه الفترة بدأ الإقبال على الاستماع إلى إذاعة لندن يفقد بريقه لدى الشعوب العربية، التي أصبحت لديها مصادر أخرى لأخبار جعلتها في مراحل متعاقبة تقلل من مصداقية إذاعة لندن، وبدأت تكتشف أن مصداقيتها لم تكن كما كانت في مخيلتهم. وأكدت هذه الرؤى الكثير من الأحداث التي مرت بها المنطقة العربية خلال حقبة التسعينيات الميلادية تحديداً. وخلال هذه الفترة التي يمكن تسميتها بفترة أفول نجم إذاعة لندن استعاضت عنها الحكومة البريطانية بأن جعلت بريطانيا حاضنة لكل أنواع المعارضة ضد دول المنطقة العربية. فبعد تلاشي وانحدار دورها الإعلامي المؤثر في تشكيل الرأي العام العربي من خلال إذاعة لندن تحولت بريطانيا لسياسة ورقة المعارضات تخيلاً منها أنها ستكون أوراق ضغط تستخدمها ضد الدول العربية. ولعل هذا التكتيك نجح لفترة وجيزة، ثم ما لبث أن زال تأثيره نهائياً بسبب وعي الشعوب العربية بأن المعارضات القابعة في لندن لا همّ لها سوى مصالحها الشخصية ليس إلا. المرحلة الثالثة، وهي المرحلة التي يمكن توصيفها بالحنين للماضي (NOSTALGIA) تتميز بأن هيئة الإذاعة البريطانية، وبعد تراجع دورها الإعلامي في المنطقة، أضحت تحاول بشتى الوسائل أن تعود لشد انتباه الرأي العام العربي بخدمتها التلفزيونية حتى لو استدعى ذلك التزوير والكذب والادعاء الباطل. فالغاية تبرر لها الوسيلة، وهذه الغاية تستدعي الكثير من البحث والتقصي والقراءة والتحليل. فكل عمل، بما في ذلك العمل الإعلامي، لا بد من دوافع وراءه.
السؤال الملحّ هنا: لماذا قامت الـ(بي.بي.سي) ببث تحقيقها المزور لأحداث مضى عليها أكثر من ثلاث سنوات؟ ما الأجندة وراء هذا العمل الذي قدمته من سمت نفسها سعودية؟ فالوطن لا يضره أمثالها ممن باعوا أنفسهم من أجل خمس دقائق من الشهرة الزائفة وحفنة من الدولارات.