يصعب الوقوف على أوجه تشابه أو نقاط التقاء بين ديمقراطية الديكتاتورية وديكتاتورية الديمقراطية، إلا إذا كان نموذجُ أي دولة تدَّعي أنها تنهج الديمقراطية هو النموذج الزائف الذي لا يتعدى نطاق الشعارات والمفردات والمفاهيم النظرية.
لأول وهلة وعند اندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربي في بعض من دول الوطن العربي كان الأمل يحدو تلك الشعوب الثائرة لتغيير واقع الحال الذي دام لعقود من الزمن..
وتحقيق طموحات وآمال شعوب متعطشة للتخلص من مرارة وراثةٍ ديكتاتورية بفكرها وقيادتها بعملها وانتهازيتها.. بداية الحكاية احتفاء.. حماس وتصفيق فالتغيير قادم والديمقراطية في الطريق.. وبقدر سذاجة عقول بعض الشعوب كانت الخدعة أشبه ما تكون بألعاب شخصية سوبرمان التي يعشقها الأطفال.. لعبة الديمقراطية في الوطن العربي.. ديمقراطية صورية كبلتها أغلال الديكتاتورية.. وراحت ترددها الشعوب بكل سذاجة (الشعب يريد للمرء أن يتأمل بتأنٍ ووضوح مشهد تلك الدول التي ثارت فيها الشعوب ثم يسأل نفسه ترى أي من هذه الدول أرست دعائم الديمقراطية وراحت تترجمها على أرض الواقع بعد ثورات شعوبها وأي من هذه الدول عمَّ الأمن والاستقرار فيها وشرعت في بناء مشاركة مجتمعية قائمة على نبذ العنصرية.. والحزبية والطائفية والتغييب المتعمد.. الجواب بطبيعة الحال هو ما نشهده اليوم من أحداث مؤلمة يندى لها جبين الأمة الإسلامية فتقف مذهولة أمام ما يجري على ساحة بعض دول الوطن العربي.. استئثار واحتكار لقرارات متعلقة بمختلف القضايا من قبل أقلية حاكمة ذات صبغة حزبية أو طائفية أو عشائرية.. سياسات متقلبة متذبذبة يحكمها الهوى والمزاج والمصلحة الخاصة.. ناهيك عن سياسة الطغيان والاستبداد والاستحواذ على الثروات والموارد مما زاد الاحتقانات السياسية وغير السياسية وعمقت أجواء التوجس وعدم الثقة.. فأي ديمقراطية تلك التي يتحدثون عنها ويجاهرون بها أمام الملأ حتى أشبعت الشعوب الثائرة وعوداً جوفاء وشعارات مخادعة.
نتألم لما حلَّ بشعوب أرض الرافدين.. وسوريا حاضنة حضارة مملكة تدمر.. واليمن بلاد العرب السعيد وليبيا الغنية بثروتها النفطية، فمئات الوقائع والأحداث التي تباهى بها حكام ورؤساء وزراء هذه الدول وتفاعلت معها الشعوب في بداية الأمر أكدت بأن الديمقراطية التي شق عنان السماء التصريح بها ليست بأكثر من رداء شبيه برداء الأعياد المزركشة يتزين به صاحبه في الفصل المناسب.. وكأني بهذه الشعوب تردد بتنا نخشى فصول التغيير لحاكم أو رئيس وزراء ما بين الفينة والأخرى.. فلا يكاد يمر علينا يوم إلا ويخرج أحدهم يتحدث ويتشدق بفضائل الديمقراطية وضرورتها لتنعم الشعوب وما هي في حقيقتها سوى ديمقراطية مزيفة خاضعة للمصالح الغربية.. وما نشهده ونسمعه ما هو إلا قلب لحقائق ما يحدث على أرض الواقع، تحول الضحية إلى قاتل والقاتل إلى ديمقراطي.
إن ما يؤلمنا حقيقة أننا أصبحنا أداة في يد الآخر هذا الآخر الذي فرض نفسه بكل توجهاته وتوغل في عمق الوطن العربي وأوجد لنفسه موطئ قدم ليحل ويرحل متى وكيف شاء.. فهل أصبح الوطن العربي محكوماً اليوم بدكتاتورية ديمقراطية انتقائية ومقننة.. سؤال تصعب الإجابة عليه في ظل أحداث مريرة ومشاهد مؤلمة تطغى على ساحات بعض دول وطننا العربي.