يحدث أن تكمن مشكلة القارئ السطحي في «مطب» إسقاط النص على الكاتب.. فلا يستطيع أن يرى أبعد من الاتهام.
أما أن يتبنى النص ويغرق فيه.. كأنه كتب له وعنه.. في محاولة أن يكون محور الفكرة.. بل قلب الكون كله.. تلك الحالة فريدة من نوعها ويمكننا أن نرى فيها أحد وجوه «الدعشنة».. تلك الحالة التي يبحث فيها القارئ المعجزة.. في النصوص المقدسة.. ويدخل معها مرحلة التقمّص ليكون البطل الهمام الذي سيحقق النبوات هو وجماعته.. وبالقوة إن لزم الأمر.. فهو المقصود والمنقذ.. والمهدي المنتظر.. إن لم تصل به أحلام اليقظة إلى أن يتخيل نفسه النبي المرسل!
«الدعشنة» نفس مليئة بالشك والريبة من نوازع البشر.. تسعى لختان مطلق لغرائز المجتمع وعقول البشر.. تظن أن خلف كل باب موصد خطيئة محتملة.. لذا فهي المعنية بحماية الإنسان من نفسه ومن قلبه ومن جسده ومن حريته!
مهووسة بالمراقبة والتتبع لصيّد الآثمين الخاطئين.. أكبر مشاكلها مع الجسد.. تراه بداية الحضارة ونهايتها.. أصل الفضيلة وكذلك الرذيلة.. وفي تناقض صارخ تبحث عن منافذ لرغباتها.. وتسبغ عليها طابع الشرعية.. وفي ذات السياق تجرّم الآخر على رغباته!
نفس متورطة بغرائزها.. لديها شعور عميق باحتقار اللذة.. تعايش عذاباً سرمدياً من تأنيب الضمير والندم على أنه طوق المغفرة المحتملة.
يشغلها هم المؤامرة الأبدية.. تظن العالم يتربص بها.. ليفتك بماضيها وحاضرها ومستقبلها.. رغم أنها لا تملك من مقومات الحظ ما يمكن أن تكونه به في موضع حسد أو غبطة أو غيرة.. لا حضارة ولا علم ولا قوة ولا تقدّم.. فلا تدري حقاً مما هي خائفة.. فالمؤامرة إنما تحاك من أجل صيد ثمين.. فما هو الثمين الذي تملكه؟
بالمناسبة هي ليست محصورة بزمان أو مكان.. أو دين أو مذهب.. قد تلمسها في نفسك العميقة.. وفي أقرب الناس إليك.. وقد تلحظها في مجتمع بأسره.. حالة لا تخرج عن محاكاة دور البطولة والتميّز والتفرّد.. فعندما تنعدم أسبابها.. يأتي اختلاقها من أي مصدر.. حقيقي كان أم وهماً.. وضع يقتحمه الإنسان المحصور في جسده.. والمتشبث بأفكار ليست له.. لم يحاول ولو مرة أن يسأل نفسه إن كانت صحيحة أم خاطئة.. ولماذا عليه أن يمسك بها على أنها الحقيقية الوحيدة وما عداها.. محض هراء وكفر وخيانة.. والجديد دخيل.. والمنافح عن فكره عميل.. والمخالف سليل بدعة.. والمبتكر متأثر بالشر.. والمتسائل مشروع شيطان بشري ووو إلخ.
باختصار..
لا أحد غيرنا.. نحن.. أنا.. والبقية زبد البحر.