من المؤكد، أن الإرهاب الذي يمارسه تنظيم القاعدة، فرض علينا دون أن نختاره؛ لدفع مجتمعاتنا نحو الفوضى، والخراب. وبات - مع الأسف - يشكل التحدي الأصعب الذي يهدد الأمن - الإقليمي والدولي -، لأناس فقدوا قنوات الحوار. فغدا استئصال الإرهاب قضية الجميع، ومكافحته
تقتضي تعاونا دوليا جماعيا صادقا، مع استنهاض همم الناس لمحاربته. إذ لا يعفى كل من يشعر بالمسؤولية من تقديم رؤية علمية؛ لإدانة الإرهاب بكل صوره، وأشكاله، واعتباره عملا ينافي الشرائع السماوية، والكرامة الإنسانية، وهذه هي الحلول الجذرية في إعلان الحرب الفكرية على الإرهاب الذي يتبناه تنظيم القاعدة.
لا زلنا - مع الأسف - أمام جماعة منظمة تنظيما دقيقا، ومجهزا تجهيزا كاملا، إذ تكمن خطورة هذه الشبكة، في كون أفرادها من منظري، ومعتنقي الفكر الإرهابي، والداعمين لأنشطته الإرهابية، - إضافة - إلى قدرة الشبكة على التخفي، ومحاولة تحقيق أهدافها في نشر الفكر المنحرف، والدعوة إليه، والتغرير بالأجيال الشابة، والنفاذ إلى العمل الخيري؛ لتمويل أنشطتهم الإجرامية. فكانت تلك الشبكة كافية وفق تكتيكات المنظمات الإرهابية؛ لتمويل عدة خلايا إرهابية من أجل القيام بأعمال تخريبية، ومن ذلك على سبيل المثال: التهديد بالقتل.
إلا أن هذا لا يمنعنا من القول: إن التنظيم أصبح غير قادر على العمل كما كان سابقا في الدول الآمنة؛ بسبب غياب الظروف الموضوعية الداخلية، والخارجية، التي أحاطت به منذ قيامه، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن إستراتيجية الدول المستقرة قامت على الواقعية، والوعي، وذلك من خلال التوفيق بين القبضة الأمنية، وسحق الأذرع العسكرية في الداخل لتنظيم القاعدة، عن طريق الضربات الاستباقية؛ من أجل المحافظة على أمن الدولة، وهيبتها. وبين اجتثاث جذور الفكر المتطرف، وفق سياسة الوقاية، وإعادة التأهيل، والنقاهة، وهذا - بلا شك - حد من قدرة تنظيم القاعدة في استقطاب عناصر جديدة.
تكشف المحصلة النهائية، أن مستقبل تنظيم القاعدة مظلم. كما يكشف حالة الإرباك، والتخبط، والقلق، واليأس، التي تعيشها خلايا التنظيم القاعدي، وعدم قدرته على التركيز، واضمحلال قواه التقليدية المزعومة. وهذه هي المعادلة الأحادية لفكر منحرف. فالعنف ليس هو الحل، وإن سعى بعضهم إلى تضخيم قصة القاعدة في أماكن التوتر، والقتال، وتصويره كأنه يعيش حالة من الانتعاش، عجلت في تنامي عملياته، ونشاطاته، وقدراته القتالية؛ من أجل إعادته إلى واجهة الأحداث، ودائرة الأضواء. وحتى يحاول إعادة بث الروح المعنوية في أعضائه، - لاسيما - بعد الخسائر الكبيرة التي مني بها في السنوات الأخيرة.
ولأننا أمام صفحة سوداء غير مشرقة، فإن الثابت في معركتنا مع هذه الآفة العالمية، تنطلق من قناعات شرعية، وإنسانية، تبرز أهمية المواجهة الشاملة للإرهاب. إذ أن القضية تهم أوطانا، وشعوبا، وتلك هي المعادلة الصعبة، في ظل الإجماع الدولي على محاربة الإرهاب. - وبالتالي - إن قلنا: إن تنظيم القاعدة يمر بمرحلة أفول، وتراجع، بعد أن تعرض أعضاؤه لأيديولوجية متشددة، وغطاء إعلامي غائب، استخدمه القاعديون في تنفيذ مخططاتهم الإرهابية، فهذا صحيح.
يستدعي تظافر الجهود على أكثر من مستوى، وفي أكثر من اتجاه ضد نمو التنظيم، والوقوف في تنميته، واختراق أيديولوجيته، وبنيته التنظيمية. ونقد أطروحاتهم بمنهجية علمية، وتخلية أنصارها عنها، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن مراجعات بعضهم إلى الحق، أتت بمبادرة من أصحابها بعد أن سلموا أنفسهم، وبمحض إرادتهم، وهو ما يعتبر نجاحا للمراجعات الاستراتيجية، والتحولات الفكرية، التي اتبعتها برامج المناصحة مع هؤلاء، عن طريق تفكيك القناعات الفكرية المنحرفة، - خاصة - فيما يتعلق بأحكام، وضوابط الجهاد. وإن كانت تلك المراجعات، عملية طويلة، ومعقدة، إلا أنها في نهاية المطاف ستحد - بلا شك - من تجنيد عناصر جديدة للقاعدة، ونبذ لغة العنف، وتجفيف منابع الفكر التكفيري؛ لكثرة أخطائه الشرعية، والفكرية، والإستراتيجية.
إن الخروج من ظلام القاعدة، والمجموعات الإرهابية، لا يكون إلا بعد مراجعة تصوراتهم، ومنطلقاتهم الأيديولوجية - السابقة -، والممارسات العملية، ووضع أسس فكرية سليمة، كالكشف عن المخالفات الشرعية في الصور المستحدثة، ومن ذلك على سبيل المثال: قتل من لا يجوز قتله من المسلمين، وغير المسلمين باسم «الجهاد»، وتخريب الممتلكات، واستحلال أموال المعصومين. وسيظل التحدي النظري لتلك المراجعات، أنها: تطور فكري إيجابي، وظاهرة صحية، وجزء أساس من عملية التطوير والتقويم المستمر. وتلك سنة إلهية، يجب أن نرحب بها، بغض النظر عن أي اعتبار آخر.
بقي أن أقول: إننا اليوم بأمس الحاجة - أكثر من ذي قبل - إلى ترشيد الخطاب الإسلامي، وبث المفاهيم الصحيحة كـ«الاعتدال، والوسطية»، وتحذير الأمة من مفاسد التشدد، والتطرف. وذلك، من خلال عدة وسائل مختلفة: كمنبر الجمعة، والندوات الدينية، والمحاضرات الثقافية. - إضافة - إلى الاستفادة من وسائل الإعلام المختلفة؛ لنغرس في النشء مثل هذه القيم الصافية، ويكونوا سياجا منيعا ضد كل أشكال الغلو، والعنف، والتطرف في خضم التيارات المختلفة، التي نراها على أرض الواقع، ونتلمس آثارها، والقضايا الناتجة عنها.