لم يلتفت العالم للحروب الطاحنة في الشرق الأوسط، فلا أحد يهتم بالقتل المجاني اليومي الذي تقوم به إسرائيل في قطاع غزة، ولا أحد يلتفت للقذائف التي دكت، وما زالت تدك، المدن السورية، ولا بما يحدث في العراق، ولا في اليمن، بل توحَّد العالم، وتصلَّب، وبكى طويلاً، حينما وقعت الكارثة في البرازيل، أمام المجزرة الألمانية، حينما دكّ المنتخب الألماني نظيره البرازيلي بسبعة أهداف مقابل هدف، في دور الأربعة في مونديال البرازيل 2014.
هذه الكارثة، ومن خلال تعبيرات وجوه البرازيليين والبرازيليات، كانت أكبر تأثيراً من الكارثة المالية التي تمثلت في فاتورة ضخمة دفعتها الحكومة هناك، والتي بلغت إحدى عشر مليار دولار، وهي التي كادت أن تطير بحلم إقامة المونديال في البرازيل إثر الاضطرابات الاجتماعية التي شهدتها العاصمة والمدن هناك، قبل انطلاق المونديال.
هذه الأحد عشر مليار دولار، والتي تقارب مخصصات التعليم في الميزانية الفيدرالية للعام 2014 البالغة 19 مليار دولار، قد لا تكون موجعة ومؤلمة كما هو وجع وألم الهزيمة التاريخية، التي تعتبر أول هزيمة بهذا الرقم الوافر من الأهداف للدور قبل النهائي في تاريخ المونديال، وهي أسوأ خسارة يتكبدها المنتخب البرازيلي في تاريخه، ومن شاهد المباراة، وبعد 28 دقيقة فقط، وقد أتخمت شباك البرازيل بالخمسة، يدرك أن الألمان كانوا قادرين على إنهاء المباراة بنتيجة كاريكاتورية، لولا أنهم احترموا تاريخ الكرة المستديرة، التي سقطت تماماً بسقوط السحرة!
وهذه الأهداف السبعة، تضاف إلى أربعة سابقة تلتقتها الشباك البرازيلية في مجمل هذا المونديال، لتصبح إحدى عشر هدفاً، وكأنما خسرت البرازيل مليار دولار مقابل كل هدف يلج شباكها، إلا أن هذه لم تؤثر، بقدر مرارة الخروج من المونديال بهزيمة مذلّة، في مقابل تأهل الخصم اللدود، المنتخب الأرجنتيني، للمباراة النهائية!
ومن طرائف آثار هذه المباراة تعليقات السعوديين، الذين كانوا مع كل هدف يبتسمون أكثر، ويصفقون بحماس، وهم ينتظرون الوصول للهدف الثامن، لكن مولر ورفاقه خذلونا، وإلا كنا سنستعيد ذكريات هزيمتنا التاريخية أمام الألمان 2002، حينما استقبلت شباك الدعيع ثمانية أهداف، وأصبحنا أضحوكة للجميع، لنقول للعالم لسنا نحن فقط من ينهزم بالثمانية، ها هم سحرة المجنونة، وملوك العالم بخمسة ألقاب موندياليه ينهزمون مثلنا، بالنتيجة ذاتها، ومن المنتخب ذاته!
ولعلها فرصة تاريخية لنا، لنرد على من سخر منا، حينما وقف الجزائريون شوكة في حلق الألمان، ولم يخسروا إلا بصعوبة بهدفين لهدف، وفي الأشواط الإضافية، بل أنهم هددوا المرمى الألماني مراراً، وكادوا أن يحدثوا مفاجأة مدوّية في دور الستة عشر من المونديال.
ومن أجمل وأغرب ردود فعل الصحافة البرازيلية، أن نشرت صحيفة برازيلية النتيجة على الصفحة الأولى، وتركت باقي الصفحة بيضاء، وهي تقول للجمهور المنكوب: اكتبوا ما تشاؤون!
السؤال الأخير الذي يحزننا جميعاً، هل سيبقى العالم يتذكر صورة الرجل البرازيلي العجوز بشاربه الأبيض الكث، وهو يحتضن نموذج مقلد لكأس العالم بحسرة، ويبكي؟ بينما ينسى العالم ذاته، صورة الأب الفلسطيني الذي يحمل طفله الشهيد بفعل القاذفات الأسرائيلية؟