أود أن أبحر في بحر الخيال واتخيل لدقائق أن صادرات الولايات المتحدة هي صادرات المملكة العربيَّة السعوديَّة، والهدف من ذلك هو تخيل حجم الأعمال التي يجب أن نعملها لكي نستغني عن النفط قبل أن يستغني عنا «بناء على طلبه».
صادرات الولايات المتحدة السنوية عام 2013وصلت 1.579 تريليون دولار (تقريبًا 6 تريليونات ريال سعودي)، وقد كانت عام 2003 نصف هذا المبلغ (750 مليار دولار)، أيّ أنها رفعت صادراتها 100 في المئة خلال 10 سنوات.
ولا يخفى على الكثير أن الولايات المتحدة لا تصدر مواد وسلعاً استهلاكية بسيطة، بل تصدر صناعات كبيرة ومتقدمة، وصناعات تكنولوجية مثل الطائرات والسيَّارات والمعدات والآليات والصناعات الطّبية والأدوية والاتِّصالات والصناعات الإلكترونية. لو تخيلنا هذه الصناعات في المملكة وبما أنها للقطاع الخاص، سيدخل صندوق الدَّولة منها 20 في المئة (جمارك صادرات، مع أنها لا تصل لذلك أبدًا)، أيّ أن دخل الماليَّة من الصادرات سيكون 1.2 تريليون ريال وهو قيمة عوائد المملكة النفطية الحالية التي تعد سنوات مزدهرة (2012 و2013).
هذا يعني أنه على المملكة أن تصّدر (صادرات بحجم وقيمة ونوعية صادرات الولايات المتحدة) لكي تستغني عن النفط لتحصل الخزينة الماليَّة على دخل يعادل الدخل النفطي.
أمام المملكة الكثير والكثير من العمل للتحول من الاعتماد على النفط إلى تنويع الصادرات، إضافة إلى الدخل من النفط، ولذلك على وزارة التجارة والصناعة مسئولية قيادة منظومة الصناعات في المملكة، ويجب أن تكون الصناعات متقدِّمة وليست بسيطة، وأيْضًا تكون صناعات متكاملة وليست فقط تجميعاً وبدون قيمة مضافة. أما بالنسبة لخلق الفرص الوظيفية وحل مشكلة البطالة والأعمال المتدنية، فعلى وزارة التجارة والصناعة أن تكون الربان لهذه السفينة (المنظومة الصناعيَّة) بحيث تكون أنواع الصناعات خلاقة للفرص الوظيفية المجدية للمواطن، التي أيْضًا توفر إعادة تأهيل الكوادر البشرية وتجهيزها لسوق العمل وتطويرها فيما بعد ذلك.
أكَّدت وزارة التجارة والصناعة تطوّر الصناعة في السعوديَّة ببناء مصانع للسيَّارات، وجميعنا نعلم أن تلك الشركات لا تأتي لتسهم في بناء اقتصاد المملكة، بل إنها تحصل على مغريات جذب واستقطاب، وستكون عبئًا على اقتصاد المملكة وستخرج رابحة على حساب الدعم الحكومي بأنواعه، ونعلم أن هناك مساهمة في توطين بعض من صناعة أجزاء تلك السيَّارات ولكنها وهمية إما حديد أو ألمونيوم لا يعمل به الكادر السعودي ولا يغطي تكلفة الدعم.
الدخول إلى الصناعات يجب ألا يكون «فقيرًا» ولا «يتيمًا»، بل يجب أن يكون من الباب الأمامي فلا خير في الصناعات التي لن نرى النور منها ما لم تبدأ من جامعاتها وفكرها وبحوثها ودراساتها. ويجب أن تكون الصناعات مبنية على أن معدل رواتب جميع من يعمل بها مرتفعًا وتتناسب مع مستوى العيش بكرامة للمواطن السعودي، وإلا سيكون اقتصادنا مبنيًا على التلميع من الخارج فيما ينزف من الداخل.
لو نظرنا مثلاً للصناعات في بعض الدول المتقدمة، فمبيعات شركة آبل لعام 2013 كانت 618 مليار ريال (أو شركة جي أيّ GE 535 مليار ريال)، وهذا يعادل دخل المملكة النفطي لنصف سنة تقريبًا، وهي فقط أفكار وبحوث وتجارب وتطوير ودراسات، ولذلك يلزم دعم «بناء الإِنسان» وهو الدعم الحقيقي للمضي بعجلة التنمية قدمًا.
ودائمًا لا بُدَّ من ربط إستراتيجية الأعمال المنتجة مع إستراتيجية الوظائف المنتجة، فلا يمكن أن يكون توظيف المواطن بوظائف 25 في المئة من رواتبها لا تكفي للسكن، و10 في المئة من رواتبها لا تكفي للمواصلات، وتلك الوظائف لا تضيف شيئًا لاقتصاد المملكة، وليس بها تطوير ولا بناء، ونلمعها ونبرزها كأنها أفضل الحلول مع أننا نتكفل بنصف الرواتب وندفعها بدلاً عن التاجر، والمصيبة أننا نكافئ من يبقى بوظيفته 24 شهرًا حتَّى يرتبط بقرض يقلب حياته رأسا على عقب، والمصيبة العظمى أن نكافئ صاحب الشركة الذي ينجح في إغراء المواطن للبقاء في هذا العمل. هذه وظائف فقيرة ويتيمة، فنحن ننتظر مليوني شخص سيدخلون سوق العمل خلال الـ5 سنوات المقبلة.