في الماضي، كانت معلومات الموظفين عنك تتعدى حدود اسمك ووجهك وسمعتك المهنية، بقليل ليس إلا. أمّا اليوم، فيعرفون قيمة راتبك، ومسقط رأسك وعلاقاتك على موقع «لينكد إن». وقد بلغ الموظفون أبعد الحدود في معرفتهم تلك، فيما تعاني أنت من ضغوط تقاسم معلوماتك الشخصية كذلك إلى أبعد الحدود – إذ إن 76% من الموظفين التنفيذيين في العالم يؤيدون فكرة تواجد رؤساءهم التنفيذيين على مواقع التواصل الاجتماعي. وبالتوازي مع هذه الشفافية المتزايدة، فأنت تُحاسب على المجالات التي يقل إلمامك بها، على غرار التكنولوجيات الجديدة، والأسواق الجديدة، والثقافات الجديدة. ولا عجب إذاً أن تكون مدة ثبات الرؤساء التنفيذيين في مناصبهم آخذة إلى الانحسار. هذا وتتفاقم ضغوط التوجهات الكاسحة في العالم على أصحاب المناصب العليا لتولي قيادة أعمال باتت أسرع، وازدادت تعقيداً وشفافيةً.
وفي هذا السياق، درسنا في كتابنا الحديث « القيادة 2030: التوجهات الكاسحة الستة التي تحتاج فهمها لقيادة شركتك نحو المستقبل»، تداعيات تلاقي قوى رئيسية كالعولمة، وتغير المناخ والرقمنة المتسارعة. ومن ضمن النتائج التي توصلنا إليها، أن القيادة في المستقبل ستشتمل على تعاظم المشقة على المستويين الشخصي والعملي. إذا إن القادة سيضطرون إلى مواجهة التباس حياتهم الشخصية والعامة – وسيُجبرون على بناء علاقات جديدة مع منافسين وموظفين، الأمر الذي يشترط مهارات وعقليات حديثة. وإذا بالأنا على مشارف الانسحاب من اللعبة. وقد يكمن التعديل الأكبر الذي سيتوجب على قادة اليوم التعاطي معه، في نمط القيادة. فالكثيرون اعتادوا على القيادة والتحكم. إلا أن التسلسلات المهنية تميل إلى التلاشي مع ابتعاد السلطة عن الإدارة العليا وتوجهها نحو الموظفين وأصحاب المصالح في الخارج. لن يسطع نجم القادة الذين يحظون بتحفيز السيطرة على الآخرين في هذا العالم الجديد، حيث سنشهد عدداً أكبر من القادة «الملتفتين نحو الغير»، الذين يعون أن القيادة هي علاقة ويركزون في الدرجة الأولى على الآخرين وليس على أنفسهم. ويعتبر هؤلاء القادة، الذين يبرعون في الجذب لا التحكم، أنفسهم جزءاً لا يتجزأ من الكل. إن القائد «الملتفت نحو الغير»، الذي يحفزه شعور داخلي بتسخير القوة خدمةً للمجتمع ويستقي قوته من تعليم الآخرين وتمكينهم، سيقدر على مجابهة الضغوط المتزايدة الناجمة عن مناخ الأعمال في المستقبل. ويفهم هؤلاء القادة أنهم لا يحتاجون إلى احتكار كافة الأجوبة، كما أن هذا الاستعداد لمد اليد إلى الآخرين طلباً للمساعدة سيعزز قدراتهم على احتواء ضغوطات مهمتهم. هذا وستتسم المنظمات التي تعمل على تطوير موظفين تنفيذيين تدفعهم قيادة «ملتفتة نحو الغير»، باستعداد أكبر للنجاح عام 2030 وما بعده.