سؤال لابد من الإجابة عليه بشفافية وشجاعة؟! فإذا كان الجواب : لا ؛ فلا يترتب عليه أي كلام قد يثير الغبار أو يولد قلقاً لا داعي له، أما إذا كان الجواب بنعم ؛ فإن من المنطق والعقل أن نبحث عن توصيف دقيق للأزمة ونحدد حجمها ومبلغ خطورتها ومدى تأثيرها في الزمن القصير أو الطويل، ثم نبحث عن أسباب تكوّنها ونشأتها ودواعي استفحالها إلى أن كبرت وأصبحت ضاغطة مقلقة، وفي الحقل الأخير من تفاصيل الإجابة بنعم نقترح الحلول الناجعة العاجلة والآجلة للتخلص منها أو للتقليل من آثارها.
هذا افتراض نظري في حالة وجود أزمة ! وماذا يمكن أن نفعل تجاهها ؛ لكن الواقع الذي نتعايش مع تفاصيله لحظة بلحظة من خلال وسائل الإعلام المختلفة ووسائط الاتصال لا يحتمل الافتراضات الفلسفية أو الدراسات العلمية الجافة التي لا تصلح إلاّ أن تقدم ملزمة بحثية لترقية إلى درجة أكاديمية!
الحقيقة المزعجة التي لا مناص من الاعتراف بها - والاعتراف بالمشكلة الخطوة الأولى للبحث عن علاج أو طريق للنجاة - الحقيقة أننا « أمة « تعيش أزمة ضاغطة ؛ أزمة أمة تؤمن برسالة واحدة وتنطلق من منطلقات واحدة وتتكئ على موروث واحد وتتحدث لغة واحدة ؛ وهي الأمة العربية، وإن نحن وسعنا نطاق الدائرة الجغرافية والبشرية، فإنّ الأزمة لا تخص العرب وحدهم ؛ بل يدخل في نطاق الأزمة المسلمون في كل مكان من هذا العالم ؛ حتى وإن لم يتحدث كثيرون منهم اللغة العربية، فما من مسلم يعيش في وطنه الإسلامي كأفغانستان أو الباكستان أو أندونيسيا أو نيجريا مثلاً، أو يعيش مغترباً في أوروبا أو أمريكا أو غيرهما ؛ إلا ويعيش الهم الذي يقتاته العربي والمسلم في أوطانهما!
الأزمة الطاحنة التي تعصف بعالمنا العربي والإسلامي - ووطننا السعودي جزء من هذا العالم الكبير - أزمة أمة مظلومة مضطهدة مستلبة مهمشة ضعيفة محتلة أجزاء من أراضيها تعاني في كثير من مواطنها من الفقر والتخلف وانعدام في توافر سبل المعيشة ووسائل الكسب الشريف، وتشكو من عدم توفر التعليم الصحيح الذي يرتفع بمستوى التفكير ويعين على اجتراح أسباب الحياة الكريمة، كما أنها تعاني أيضا من نقص كبير في الغذاء والتطبيب والدواء!
أمة كهذه تتعايش شعوبها في كثير من مواطنها مع هذه الأوضاع المزرية في التعليم والمعيشة والفقر ونقص الخدمات أو انعدامها، ويعاني المتطلعون والنابهون فيها من التهميش وعدم وجود فرص للحياة الكريمة، بسبب هيمنة حكومات فاسدة ودكتاتوريات مستبدة في بلدان متعددة، ويتسلط شعور نفسي بالاضطهاد من الحضارة الغربية ومن سياسييها عند كثيرين ممن تحتدم في دواخلهم مشاعر دينية أو قومية ؛ لا بد أن يولد أزمة أخرى تابعة هي نتيجة للأزمة الأولى الأصلية التي يمكن تلخيصها في : هزيمة الأمة العربية والإسلامية الحضارية والسياسية والاقتصادية، وفقدها مقعدها القيادي في الصف الأول للمشاركة مع الحضارات الكبرى المؤثرة لقيادة العالم مع الأوربيين والأمريكان ؛ كالصين أو اليابان أو الهند مثلاً !
فأزمة التطرف الديني والغلو ونشوء جماعات التكفير والهجرة وادعاء الخلافات والأمارات وتكوّن الفرق والتيارات ونشوب النزاعات والحروب واشتعال الفوضى في أكثر من بلد عربي ؛ هي نتيجة للأزمة الأصلية : هزيمة الأمة ؛ وليس المعنى أنّ هذا الإفراز الذي نتج عن الأزمة هو التعبير الصحيح عما يجب فعله للبحث عن حلول لهذه الأزمة ؛ كلا ؛ بل قد تكون نتائج الأزمة خاطئة كما هو الواقع الفعلي الآن مما يزيد الطين بلة ويعقد المشكلة ؛ بل يخلق أزمات أخرى متتابعة كما نرى في كل البلدان المضطربة في سوريا والعراق واليابان واليمن وغيرها!
ولا شك أن الأعداء المتربصين الذين يريدون ألا تنهض الأمة من كبوتها، يستغلون ما نتج عن الأزمة الأصلية، فيوجهون نتائجها السلبية لتحقيق مصالحهم بخلق مزيد من الفرقة والانقسامات والجماعات والتيارات التي يأكل بعضها بعضاً تحت راية «الفرقة الناجية»!
إنها أمة مأزومة بنفسها قبل الغير!