يعد الشباب عماد المستقبل وأمله، وهم الثروة المنتظرة للمنافسة، وهم صناع النجاحات، وكل الأمم التي تستشرف المستقبل وفق رؤية استثمارية، تنظر للشباب باعتبارهم المدخل الرئيس الأولى بالرعاية، ومن مقتضيات هذه النظرة أن يتم إعدادهم إعدادا يتوافق مع متطلبات الفترة الزمنية المستقبلية التي هم القادة فيها، وهم مسيروعجلة التنمية والإدارة والإنتاج.
ومن بدهي القول، أن من يجري مقارنة بين الأمم، يدرك حتما دون عناء كبير، أن الأمم التي حققت مراتب متقدمة في الرفاهية المجتمعية، هي تلك التي عنيت بالشباب، أثناء مراحلهم العمرية الأولى، عنيت بهم في كل جوانب مكونات الشخصية، (الروحانية - العقلية - النفسية - الاجتماعية - البدنية - الاقتصادية)، عناية متكاملة متوازنة، عناية متحكم في مدخلاتها، مسيطر على عملياتها، مضمونة مخرجاتها.
هذه العناية تتم في منشآت جاذبة مثيرة في بنيتها، وتكامل مرافقها، وثراء برامجها الرئيسة والتكميلية المساندة، فهي بمثابة محاضن تربوية، لا مجال فيها للصدفة أو الغفلة، أو الاجتهاد الشخصي خارج الإطار العام المتفق عليه الذي يمثل سياسة الدولة وتوجهاتها.
هذه حال الدول المحترمة التي تتطلع إلى صناعة شباب وفق منظور وطني واضح المعالم والغايات، منظور يحقق لها المنافسة على المراكز الأولى في إنتاج المعرفة وتوظيفها في عموم مجالات التنمية المجتمعية، وكان لها ذلك، فبعد أن كانت تستجدي المعرفة، وكانت في ذيل قوائم المنافسة، ليس العلمية فحسب، بل على مستوى دخل الفرد وتعليمه وصحته.
أما الدول التي غفلت عن الشباب وأهملتهم، وتعاملت معهم باعتبارهم مجرد أرقام في بيانات الإحصاء الدوري، فحالها وحال شبابها تسر الشامتين من نواح عدة:
أنه شباب لا يعرف مصدرا معتبرا يتلقى منه معارفه الدينية، فقد كثر المفتون، وكثير المتشيخون، وكثر من يعد نفسه مصدرا للإفتاء، ولا يعرف مصدرا معتبرا يعتمد عليه في تبني مواقف من الأحداث التي تعصف من حوله، وأخص منها ما تلبس بلباس الدين، داعش النصرة القاعدة، كلها محاضن فتن وشر وشرور، ظاهرها التدين، وحقيقتها تحتاج إلى تعرية وبيان، فقد كثر المنخدعون بقولهم، وكثر المنساقون إلى مذابحهم.
أنه شباب في جملته عالة على أسره ومجتمعه، متفرقة به السبل منقطعة، تائه لا يعرف أين يتجه، منكسر محتار، لا يستطيع أن ينفع نفسه ولو بشربة ماء، لا يحسن صناعة أي شيء، يشبه عشبة الغار رقة ونعومة، لا يستطيع تحمل لفحة هواء قارس، وسموم لافح، شباب مستهلك بشراهة، تعود على مد يده يستجدي والده في تلبية حاجاته، الوالد يدفع فاتورة الهاتف، ووقود السيارة، والملبس والمأكل اليومي من مطاعم الوجبات السريعة.
يذكر أحد أطباء الباطنية الاستشاريين، أنه رصد مكروبا يصيب الجهاز الهضمي بسبب تناول الوجبات السريعة، لا غرابة في ذلك، فهذه المطاعم محاضن أمراض كشفت الحملات عن حقيقتها المؤلمة المتمثلة في بيئتها وعمالتها.
أنه شباب قابل للتحول، وهنا مكمن خطورة يجب التنبه لها، فهويته الوطنية بحاجة إلى تغذية متواصلة تربطه بأصوله، وتلبي حاجاته الأولية، وتتفاعل مع متطلبات مرحلته العمرية، البون شاسع بين واقع الشباب وبين تطلعاتهم وطموحاتهم وأولويات حياتهم التي اختلفت تماما عما كان مألوفا في الأجيال السابقة لهم.
وحتى لايلام الشباب على ما قد يعتري سلوكاتهم من مظاهر انحراف عقدي أو فكري، يجب أن تهيأ لهم بصفة مستعجلة نواد تحتضنهم في أوقات فراغهم، تربوية اجتماعية رياضية ترفيهية، هي في الأصل حق لهم، يمارسون فيها هواياتهم، ويغذون عقولهم وأجسامهم بما يحقق الآمال المنشودة منهم.