التشاؤم Pessimism والتفاؤل Optimism مصطلحان إنسانيان يسيران في خطين متوازيين في داخل وأعماق الإنسان، ولا يمكن أن يلتقيا. كيف يلتقيان وهما متضادان! تشاؤُم مصدر تشاءمَ / تشاءمَ بـ / تشاءمَ من، وهي حالة نفسيّة تقوم على اليأس، والنّظر إلى الأمور من الوجهة السَّيِّئة، والاعتقاد أنّ كلَّ شيء يسير على غير ما يُرام، وعكسه تفاؤل. بوضوح أكثر، التفكير السلبي باختصار هو التشاؤم في رؤية الأشياء، وكذلك المبالغة في تقييم الظروف والمواقف. هناك تعريف دارج بين الناس، وهو طريقة النظر إلى الكأس عندما يكون نصفها مملوءاً بالماء، والنصف الآخر فارغاً؛ إذ يرى البعض أن الكأس نصفها مملوء بالماء، وهذا يدل على المتفائل. أما البعض الآخر فيرى أن نصفه فارغ من الماء، وهذا يدل على المتشائم.
الإنسان المتشائم يحمّل قدراته العقلية والفكرية في التقدم في الحياة، والانسجام مع الآخرين، والإنتاجية، والحصول على المنصب الذي يطمح إليه.. لكي نزيد من قوانا العقلية في الاتجاه الصحيح البنَّاء والداعم لحياتنا فهذا يحتاج إلى ممارسة مستمرة لترويض العقل على التفكير إيجاباً؛ لينعكس على حياتك إيجاباً، خاصة إذا كنا نعيش في أجواء محبطة. العقل يمثل حجر الأساس؛ إذ إنه يحدد اتجاه الإنسان في هذه الحياة. إن قياس الذكاء إحدى وسائل التعرف على ماهية العقل. وللذكاء أنواع كثيرة، منها الذكاء المنطقي - الرياضي والذكاء الجسدي - الحركي والذكاء الاجتماعي والذكاء الشخصي الداخلي.
الموظف الذي يلُوم نفسه بعدم التقدم في الهيكل الوظيفي أو سلم الرواتب إنما يلوم قدراته في أحياناً كثيرة. القدرات العقلية والإدراك عنصر مهم وحيوي في بروز الإنسان في وسطه ومجتمعه إذا كانت قدراته العقلية متوهجة منتجة. وفي المقابل، هناك موظفون قدراتهم العقلية مميزة متوقدة منتجة، لكنهم يرضون بالواقع الذي يعيشونه، وهذا تعطيل للدماغ والتفكير الإيجابي ألا وهو التفاؤل. بهذا السياق من الخطأ المقارنة بين الناس على أساس واحد؛ فالاختلاف في القدرات واقع. ومن الخاطئ القول «أنت إنسان متشائم»؛ فلا يوجد إنسان متشائم، إنما يوجد إنسان لا يعرف قدراته. يقال عند العرب «رحم الله امرأ عرف قدر نفسه»، التي قالها الغمام العادل عمر بن عبد العزيز لابنه عندما علم أنه قد اشترى خاتماً بألف درهم، فتختم به، أي عرف حدوده ومقدرته في تفاصيل الحياة. وفي الوقت نفسه على الإنسان أنْ يقلل من قدراته، فالطموح والمثابرة يكشفان قدرات الإنسان، وإلى أي مدى تأخذه في هذه الحياة.
اختلاف الرأي بين الناس وصوابه من عدمه يعود إلى القدرات العقلية والفكرية وممارسة صنوف الحياة، ولا يعود إلى التشاؤم. ديننا الإسلامي السمح ينهى عن التطير، وهو التشاؤم، وأصله: الشيء المكروه، قال الله تعالي {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}.
هناك من يتشاءم من أشياء غريبة، منها تشاؤم الأوروبيين من الرقم 13 دون أن يعرف غالبيتهم سبب ذلك، فنجد
أن معظم فنادقهم لا تحوي غرفاً تحمل هذا الرقم، بل إن الكثيرين من الأمريكان تخوفوا من فشل المكوك الفضائي أبوللو13 في رحلته إلى القمر؛ لأنه فقط يحمل هذا الرقم. كذلك نحن نتشاءم من البومة بسبب اتخاذها من البيوت المهجورة مسكنًا لها نهارًا، أما الغراب فيعود التشاؤم منه إلى قصة قابيل وهابيل فلذة كبد سيدنا آدم عليه السلام, فحينما قتل قابيل أخاه, وظهر الغراب ليعلمه كيف يواري سوءة أخيه ؛ إذ كان الغراب يدفن غرابًا آخر قد فارقته الروح؛ لهذا كان الغراب رمزًا للموت والدفن؛ فتشاءمت منه الأنفس.
أخيراً أقتبس: لم يربح التشاؤم معركة قط. (إيزنهاور).
وإذا نظرت بعين التفاؤل إلى الوجود لرأيت الجمال شائعاً في كل ذراته. مصطفى السباعي