تمكنت المرأة السعودية وخلال السنوات القليلة الماضية من تكوين تجارة رابحة عبر الانستغرام والتي بدأت بالطبخ لبعض الحلويات لتتطور إلى مطابخ كاملة ثم لتقتحم مجال التجارة في قطاعات أخرى مثل الترفيه (مثلاً لديك حفلة عيد ميلاد لطفلك فيتم توفير كل المستلزمات)
(لديك سحور فيتم فرش حديقتك بما تحتاجين من فرش عربي أو أجنبي)، (لديك حفلة شتوية، رأس السنة، عيد زواج، زواج) كل ما يخطر على بالك من خدمات يمكن توفيره عبر الانستغرام المذهل بل وصل الأمر إلى مجال الإعلان والدعاية ونموذجه الأبرز فتاة سعودية مغمورة من الرياض تملك اليوم عبر انستغرامها ملايين المتابعين لما تحب ولما تلبس و بما توصي به من عطور وساعات وسيارات حتى صارت مقصداً ومحل منافسة كبيرة بين كل صاحب مشروع يرجو فقط أن تضع له (لايكس) أو تقول إنها أكلت كذا في المحل الفلاني أو لبست كذا من ماركة كذا وتضع صوره في حسابها حتى تطير سمعة هذا المنتج في الآفاق إلى الحد الذي طير الإشاعات عنها بأنها وبسبب دخلها الكبير من دعايتها للمنتجات قد تمكنت أخيراً من شراء سيارة بي ام دبليو لوالدها ! (تصوروا: لم يعد الوالد هو من يشتري لها: هي من تشتري له؟ تحول ثقافي مدهش)!!.
إذن هناك تجارة كبيرة في الانستغرام (وهي طبعاً ليست قصراً على النساء السعوديات لكنهن ربما يكن الأنشط) تضم تحتها كل ما تحتاج إليه المشاريع الصغيرة من عمالة صغيرة (ربما) ومواد ومواصلات ومواد مساندة (مثلاً: تعبئة، تبريد، فرز، توزيع إلخ) وما يرافق ذلك من مواد تصنيع أو مواد غذائية كما أنها بلا شك تعتمد على عمالة صغيرة أو منزلية .. وهي في كل الأحوال أوجدت تنوعاً تحتاج إليه أذواق المستهلكين في الوقت الحاضر كما أنها لا تخضع للحواجز الثقافية التي تضعها وزارة التجارة على نوع الأنشطة الاقتصادية الممارسة وخصوصاً للمرأة وهي أيضاً تشجع المواهب الصغيرة وتقلل تكلفة البدايات عليها إذ لا يحتاج الأمر إلى سجل تجاري كما لا يحتاج إلى استئجار منشأة وإخضاعها لشروط البلدية وغيره (أكثر من سنتين أخذ الأمر من إحدى الزميلات لافتتاح مركز رياضي نسائي ولولا أنها عاشقة حقيقة للرياضة لما تمكنت من الصبر وتحمل تكلفة تأجير المكان والمعدات كل هذا الوقت) هذه العقبة لا توجد في تجارة الانستغرام التي تبدأ من البيت وربما لاحقاً تتطور لافتتاح المنشأة متى تمكنت التاجرة الصغيرة من الوقوف على قدميها وهذا هو الأصح.
المشكلة التي يمكن ملاحظتها هنا هو عدم قدرة الجهات الرقابية أو الصحية على تتبع نظافة المنتج أو طرق تصنيعه وتخزينه أو نظافة العمالة أو الظروف التي يتم فيها إعداد المنتج إضافة طبعاً إلى القائمة الطويلة ذات العلاقة بحقوق العمالة وساعات عملها وخلافه من القضايا التي أثارت جدلاً كبيراً في المملكة ودول الخليج عموماً في السنوات الأخيرة وعطلت عمالة الكثير من الدول الصديقة مثل إندونيسيا والفلبين ولعلكم ممن مرت عليهم الصورة المتداولة في الواتس اب بأكوام السمبوسة المقلية مفرودة على جرائد ووافدتان يشع البؤس والتعب على محياهما من شدة الإرهاق جلوساً على الأرض أمام قدور هائلة ممتلئة بالزيت يقمن بالقلي ورمي السمبوسة كيفما اتفق !
هذا طبعاً غيضٌ من فيض فلا أحد يعرف محتويات السمبوسة ولا كيف تم التأكد من نظافة العاملات قبل لمس المواد التي تحشى بها السمبوسة أو طرق غسل الخضار ونوع اللحمة المستخدمة فيها أو طرق تجميدها إلخ من القضايا التي تخضع في العادة للرقابة الدقيقة من قِبل السلطات المحلية في أي بلد حفاظاً على صحة المستهلكين. لكن كيف يمكن تنفيذ ذلك في تجارة متشظية ومجزئة وغير مقننة مثل تجارة الانستغرام ؟
أيضاً كيف يمكن حساب الدخل في هذا النوع من التجارة وحساب مساهمته في إجمالي الدخل القومي؟ هو فعلاً يمثل نصيباً لا بأس به في مجال تجارة المنشآت الصغيرة وهناك مبالغ مالية كبيرة تضخ فيه وتحصل منه لكن كيف يمكن حسابها؟ كيف يمكن قياس النشاط وفعاليته ومقدار دخله والتزاماته العمالية والمالية إلخ من القضايا التي تواجه صاحب أي مؤسسة؟ كيف يمكن احتساب نصيبه من الزكاة التي تلزم كل المؤسسات التجارية المسجلة بدفعها أو يواجه صاحبها بعدم تجديد سجله؟
إذن هناك الكثير من القضايا التي تثيرها فكرة تجارة الانستغرام والغرض من إثارتها هنا ليس بالطبع استفزاز (الأخ الأكبر) (بيغ برذير) كما تسمي هذه السلطة أحياناً فنحن لا نرغب أن تقع هذه التجارة أسيرة للبيروقراطية الحكومية والوساطات والفساد الذي أضاع مئات المشاريع وخصوصاً الصغيرة منها ولكن نحتاج إلى قوانين ضابطة تضمن نوعية المنتج وتحمي المستهلكين من الأمراض أو البضائع الرخيصة والمضروبة كما نحتاج إلى فهم أكبر لهذه التجربة التي ستحمس آخرين ما زالوا في بداياتهم حتى يفهموا العثرات التي مر بها البعض قبلهم وكيف يمكن تعميم بعض التجارب الناجحة حتى يستفيد منها القادمون الجدد وهم كثيرون. فهل يتكرم علينا بعض أصحاب التجارب الناجحة أو نصف الناجحة وأيضاً تلك التي لم يتحقق لها النجاح بالحديث عن تجاربهم وتوثيقها حتى تعم الفائدة؟
كل عام ونحن جميعاً بخير وصحة ونشاط وتفاؤل يدفعنا لاقتحام المجهول الجميل.