حينما نُسَلِّم بأن بيئة الترفيه لدينا لها خصوصيتها، وتتم بطريقة محددة، فإنه يجدر بنا التفاعل مع هذه الفرضية واستخدامها بشكل إيجابي، من أجل أن تعاد إلى المدن في بلادنا هويتها التاريخية، وتراثها المتميز، وطراز بنائها الخاص من خلال المحافظة على تكوينها، ومعرفة طرق التعامل مع منجزات الحياة المعنوية والمادية بشكل واقعي ومناسب؛ لعله يبرز ما لدى كل مدينة؛ لتكون مصدر جذب لأهلها ومرتاديها.
ومن أهم مكونات هوية المدن سُبل الاستثمار فيما تتميز فيه من تراث حرفي وأعمال ومراكز تجارية وأسواق يقبل عليها الناس، من أجل خلق بيئة تجارية تعود بالنفع على المدينة وأهلها. فعلى سبيل المثال، حينما ننظر إلى العاصمة الرياض أو جدة أو الدمام فإنها مدن جاذبة لعناصر التسوق والشراء، ليس لأهل المدن الأخرى وحسب إنما لمواطني دول الخليج من حولنا أيضاً، وهذه شهادة مهمة، تؤكد أن هوية المدن يجب أن تكون واضحة، وتحقق أهدافها الحيوية المتميزة.
والأمر ينسحب على هوية المدن الأخرى، وما يميزها، على نحو السياحة في الطائف ومدن عسير والباحة، وكذلك السياحة الصحراوية في مناطق الشمال كحائل والجوف، والمناطق البحرية كالجبيل والخفجي وجازان، ومدن الساحل بشكل عام، وسياحة التراث في نجران والأحساء والمدينة المنورة والعلا ومدائن صالح وتبوك.. فكل هذه المدن - بحق - تمتلك بيئة ترفيهية تسهم في تميز المنجز السياحي ومردوده المعنوي والمادي.
فالتنوع في مصادر التراث، وألوان الموروث، أو بيئات السياحة، ومراكز الجذب الجماهيري في بلادنا، هو مصدر ثراء للتجربة السعودية في مجال التراث والترفيه والزيارات، وقس على ذلك الكثير من التجارب التي تساعد على تكوين مصدر ترفيهي يسهم في قيام مشاريع متميزة تخدم المدن، وتسهم في الرفع من اقتصاديات المجتمع وموارده.
فالأولوية هنا للبيئة الترفيهية التي يفترض فيها أن تكون جاذبة ومعدة إعداداً مناسباً، يساعد على نمو هذه التجارب السياحية والترفيهية، وأهمها في هذا السياق وجود بنية تحتية متكاملة على نحو المرافق المختارة بعناية، وإيصال الخدمات على نحو الطرق البرية وخدمات الكهرباء والماء، وكذلك توفير آليات عمل تضطلع فيها الجهات المختصة في مجال تفعيل العمل السياحي والزيارات والتواصل بين المدن والقرى والأرياف، على نحو ضرورة تضافر الجهود بين وزارات البلديات والنقل والثقافة والإعلام وهيئة السياحة والآثار من أجل تأهيل البيئة وحواضن التراث والترفيه، والإسهام في الرفع من قدرات الكوادر العاملة في هذه المجالات.
أضف إلى ذلك المساهمات أو الشراكة بين القطاع الخاص وهذه الجهات من أجل أن يتم التفاعل مع عناصر الجذب لكل مدينة، وإسهام المجتمع، ولاسيما الأسر المنتجة، أو من لديهم أعمال وحرف، من أجل أن تكون هذه البيئة صالحة لنجاح مشروع السياحة في أي مدينة من مدن بلادنا. فحينما تتعزز هذه الشراكة وتزدهر ستحقق لنا جميعاً الكثير من المكاسب المعنوية، على نحو حفظ التراث وتوثيقه وتداوله، والمكاسب المادية التي تعد شريان الحياة والنمو لأي فكرة إنسانية رائدة، تسهم في بناء المنجز الحضاري لبلادنا، وهذا هو الهدف المنشود للجميع.