تتقاذفنا اليوم تقلبات السنوات الخداعات، التي يؤتمن فيها الخائن، ويخوّن فيها الأمين، ويُصدّق فيها الكاذب، ويُكذّب فيها الصادق، ويفتي في أمور الدين الشارد والوارد، لا القرآن يجاوز ترقيه بعض من يتلوه، ولم تعد الصلاة عندهم تنهى عن الفحشاء والبغي والمنكر،
سنوات ظهر فيها علينا أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، نراهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، تماسيح بشرية خبيثة من ذوات الوجوه الزئبقية، طعنونا في ظهورنا، ويحاولون بيعنا بثمن بخس في أسواق النذالة السياسية، والرداءة الأخلاقية، بعد أن انحرفوا عن المسارات الوطنية الثابتة، فكانوا أول من وقفوا مع الأعداء، واصطفوا معهم، وأول من تطوع مع مشاريعهم الخبيثة، وطموحاتهم السقيمة، فالتحقوا في صفوفهم، وتسابقوا في تقديم فروض الخنوع والخضوع والتواطؤ، وركضوا طويلاً في بورصة الولاءات الرخيصة، المعلنة لصالح أعدائنا والطامعين بنا، طابور طويل من الجبناء المتخاذلين بعضهم فقد مروءته ورجولته وشهامته، وبعضهم الآخر فضل الصمت والتعامي والسكوت، واختار الهروب من المواجهات والتحديات الخطيرة التي تحيط بنا أرضاً وحداً وأمة، ولم يكترثوا بالتجاوزات العدائية العديدة والكثيفة المحدقة بنا، أحياناً أصاب بهوس كبير حينما أرى بعض الأفراد الذين كنا نحسبهم مهمين وفاعلين وأمينين ومخلصين ووطنيين، وهم يتحدثون بحزن على الفضائيات وأحياناً بعصبية وإنفلات لسان، ويذرفون الدموع على الدمار الحاصل في بلاد الآخرين، لكنهم في الوقت نفسه لم يعيروا اهتماماً واضحاً للخطورة الزاحفة نحونا، ولم يكلفوا أنفسهم مشقة الدفاع عن حدودنا، التي يريد الأعداء التهامها، بل ينكمشون كما ينكمش القنفذ على نفسه، ويدسون رؤوسهم بالرمل كما يفعل النعام، يتحذلقون كثيراً في إطروحاتهم البليدة، وتنظيراتهم الباهتة، ورؤاهم البائدة، وفتاويهم القاصرة، وتفسيراتهم الخاطئة، ويبتعدون كثيراً عن مواطن الخطورة التي تحيط بنا قصداً وعنوة، ويبخلون علينا بكتابة بضعة أسطر عن الأعداء الذين يحاولون اغتيالنا، وذبحنا من الوريد إلى الوريد، وهدم نسيجنا المميز، ووحدتنا الفريدة، ورمينا في الأودية المظلمة السحيقة، بل لا يتطرقون للذين يريدون اختزالنا، وتعليق رقابنا كلنا على مقاصل الإعدام، والأغرب من ذلك أنهم يعرفون أدق التفاصيل عن مشاريع وخطط وأهداف وإستراتيجيات هؤلاء الأعداء، لكنهم يتجاهلون ذلك، ويحاولون أن لا يكون لهم شأن به، ولا يريدون التحدث عنه، بل يمدحونهم على استحياء وخفية، لكن هؤلاء المتعامين الصامتين الساكتين النائمين في خدورهم الوثيرة، نعي جيداً بأنهم يعملون بامتياز تام ضدنا، ويحاولون تهميشنا وتسفيهنا وتسطيحنا وتكميمنا وتعتيمنا وتخويفنا وترويعنا بالأقوال والخطاباوالأحاديث الممنهجة المؤدلجة الصفراء، والحركات الاستعراضية البهلوانية السركية الكبيرة، لقد فقدوا قيمهم، وأصالتهم، وضاعت مبادئهم، وتاهت أخلاقهم، فلم نعد نشعر بهم الآن، أو نهتم بهم، أو نلقي لهم بالا، بعد أن تكاثروا بيننا كالخلايا السرطانية الخبيثة عندما كانت التربة والسماد والماء صالحين لنموهم، لقد شوهوا مجتمعنا وبلادنا زيفاً وكذباً وخداعاً ونفاقاً وتملقاً وتلوناً ردحاً طويلاً من الزمن، ومثلونا أسوأ وأبغض تمثيل، لقد تعددت مواقف خذلانهم، وخياناتهم، وغشهم، وتدليسهم، وخداعهم، وهاهم يتعرون أمامنا بكل وضوح، يراهم الأعمى قبل البصير، ويميزهم المجنون قبل العاقل، وعلى الرغم من ذلك لن يخذل الشرفاء الكثر بلادهم أبداً، وستبقى بلادنا أقوى البلدان وأصلبها وأثبتها، وأطهرها أرضاً وماءاً وتربة، وأقدمها جملة وتفصيلاً.