العقلاء والحكماء والراشدون، هم أولى الناس بالرأي والمشورة، وأقدر بأن يملكوا زمام الأمور، ويشيعوا ثقافة الحوار، وتأصيل مشتركات التقارب، بين وجهات النظر المختلفة، والأكثر فاعلية في إطفاء نيران الفتنة، حتى يجنبوا الناس ويلات الحروب، وجنون النزاعات، والغرق في بحار الدم، هذا ما يفترض ويجب أن يكون، لكن بأسف مؤلم،
وحرقة مريرة، تقدم الأشرار على الحكماء، والمجانين على العقلاء، والصغار على الكبار، و»المستشيخين» على الشيوخ، والقراء على العلماء، وأخذوا زمام الأمور، وراحوا يشعلون الحرائق في كل مكان، ويصبون الزيت على النار، مثيرين الأحقاد الطائفية والمذهبية والعنصرية البغيضة، ويمارسون التحريض علناً وخفية، حتى حولوا الأرض إلى ساحات من الدم المسفوك الحرام، بناء على أجندات خاصة بهم، منطلقين من رغبات ذاتية جامحة، حتى يظل الناس متوترين وفاشلين ويموت الطموح عندهم في الحياة وفي الإنتاج والعطاء، لقد استمرأ هؤلاء النفخ في نار الفتنة، وإشعال فتيل اللهب، وفق أعمال مريبة، لقد تفاقمت أعمالهم وتنظيراتهم في السنوات الأخيرة، وتصاعدت وتيرتها، في كنف غض الطرف، وحسن النية، فظهروا لنا بأنياب تنهش، وقرون تنطح، ومخالب تشطح، ترافقهم كتائب مجندة لتكميم الأفواه، وطوابير مدربة للذود عنهم، حتى بات من الصعب التصدي لهم ولمشاريعهم المريبة، وصار من المتعذر علينا التحدث بصراحة عنهم، وفضح مساوئهم الظاهرة منها والباطنة، لكن الله أراد كشفهم الآن، واتضحت نظرياتهم الجدباء المتصحرة، التي نمت خلف مراياهم الواهمة، وحسن ظننا الواهن، لقد اتسع لدينا الوعي الآن وكبر ونما، فلم تعد براقعهم المزيفة تغطي وجوهنا، ولا أسمالهم البالية تستر أجسادنا، وكان لزاماً علينا مواجهة كل أعمالهم البليدة، وفضح أعمالهم القاصرة بكل الوسائل المتاحة، دون خوف ولا وجل أو تردد، لقد ظهروا علينا هؤلاء منذ أمد طويل مثل ناقة عجفاء، تهرول خلفها قطعان الإبل والخيول والبغال المريضة، في قافلة مذعورة من قوافل داحس والغبراء، محاولة أن تدوس بقوائمها قوافل جموعنا البشرية أياً كانت، لقد ظهروا علينا قلقين متوترين شاحبين متخشبين، وفق أصوات متأججة، وصيحات عالية، وتهديدات مخيفة، وكلام طويل، وأحاديث خالية من اللباقة والتمهل والدقة والتصويب، لقد شقلبوا الحقائق، وحرفوا الوقائع، وقلبوها رأساً على عقب، بالاتجاه الذي يريدونه، وحولوا كل شيء ينبض بالحياة وبالبياض إلى مواد حارقة، إذكاءً للفتنة، وإحياءً للنعرات، لقد برعوا طويلاً في نشر التقارير الملفقة، وترويج الأخبار الكاذبة، وإذاعة الحكايات المفربكة، وتأليف القصص الخيالية، وشنوا علينا حملاتهم المسعورة، بلا حياء ولا احترام، حتى وصلوا في بعض محاورهم للضرب تحت الحزام وفوق الرأس، لقد انتشلوا المواطن البسيط، وطاروا بالشاب المراهق،من دون أن ينتبه لهم أحد أو يعي، لذا نرى الأفراح عندهم عامرة، وعند غيرهم مترعة بالحزن والأسى، حتى بدوا لنا مثل الفرحان بخراب بيت أهله وجيرانه، اللافت للنظر أن هؤلاء صار عندهم فضائيات ومنتديات ومواقع، ومكاتب وعدسات وموظفون ومحررون، وينظرون للأوضاع من زاوية واحدة، ويصورون الأحداث بعين واحدة، يلقطون المشاهد القريبة، ويتناسون المشاهد البعيدة، حتى وصلت بهم الحماقة إلى التلفيق والتشنيع والتصنيف، أحاديثهم ظاهرها فيه الرحمة وباطنها عذاب، انزلقوا في حملات التضليل، وتحولوا إلى بلدوزرات هدامة تسعى لتفكيك الوطن وتجزأته إلى أقاليم ودويلات ضعيفة وواهنة، فيهم مس كبير من الجنون، ويرضعون الفوضى والدمار والخراب والدم باقتدار تام، أصواتهم قادرة على حشد الفوضويين والمخربين والمتزمتين والمتطرفين والمتعصبين ومهرجي الخطاب، لكنهم غير قادرين على حشد أصحاب العقول الراشدة، وأهل البصر والبصيرة، لا يعرفون كيف يزرعون الشتلات البهية، لكنهم يعرفون بمهارة عالية كيف يقتلعون الأشجار المثمرة، لقد جعلوا من الأحوال والأوضاع أشبه ببرميل بارود تحيط به عيدان الثقاب، والمثير للسخرية أن هؤلاء اختاروا المجانين والشخصيات القلقة والمتأرجحة لكي يكونوا زعماءهم وأهل الحل والربط، وفق مسرحيات تهريجية تبث على الهواء مباشرة من غير عنوان، إن المشاهد الفوضوية التخريبية المشفرة هي العلامة الفارقة لهم، لقد كسر هؤلاء أطواق الحمام وأرجلها وقصوا أجنحتها، وابتعدوا عن جوهر الدين ومقاصده، ومعانيه النبيلة، وسماحته الكبيرة، ورحمته الواسعة، وقدرته المرنة في التعايش السلمي مع الآخرين، وانضموا لجوقة المخربين والذابحين والهادمين، وارتكبوا أشنع الأعمال والمواقف عندما استخدموا الدين أداة لتهديم الأمن، وتمرير المشاريع التخريبية، وخدمة أعداء الأمة، واصطفوا مع الأعداء والطغاة والبغاة، وتواطؤوا مع القصر الصغار، والعمالقة الأنذال، وتمادوا في الأعمال المشينة، وتعاطوا بمرونة مع أهداف الأعداء، فيا أيها المتمردون على الدين والشريعة والإنسانية والحياة، ما هو المذهب الذي تنتمون إليه بعد أن خلعتم طوق الحمامة ووضعتم طوق القتل والذبح الحرام حول أعناقكم؟ وهل تستطيعون الطيران بعد أن تنتهي المهمة الموكلة إليكم؟ حتماً ستصبحون خارج نطاق الخدمة، وسيتعامل من استخدمكم مع غيركم، وسيرمونكم كما ترمى الأسمال والأحذية البالية، وبقايا النفايات، فيا ناشرو الفتنة ومقدوها، اتقوا الله في أوطانكم ومجتمعاتكم حيثما كنتم، حكموا عقولكم وضمائركم، وعودوا إلى رشدكم.