في عالمنا الراهن بات الرعاية الطبية، والصحة العامة هي الحالة الملحة والمؤثرة في بناء الإنسان وتكوينه، وتفاعله مع الحياة من حوله، فصحة المجتمع ومقوماتها وسبل نجاحها وتطورها في مجالي التشخيص والعلاج تعد مفهوماً حضارياً، وسياقاً تكاملياً مطرداً تسعى كل الدول إلى تقديم ما هو جديد ومميز خدمة للمجتمع، ومساهمة في محاربة الأمراض ومقاومة الآفات والوقاية من الأوبئة التي قد تعيق سبل الحياة وازدهارها.
فلم تعد الحالة الصحية مجرد تقديم أدوية وعقاقير ومسكنات، أو علاج لمرض ما، أو إجراء عمليات جراحية معينة، إنما بات الطب حالة عامة، وقضية عالمية نوعية، تتخطى الحدود، وتتجاوز المفهوم التقليدي للتشخيص وتقديم العلاج كما أسلفنا، على نحو سعي الكثير من الدول ومنظمات الصحة العالمية والأمم المتحدة وبرامجها من أجل التعاون والتكامل في تقديم أفضل السبل الطبية للبشرية.
ومع هذا التطور اللافت لحالة الطب والتشخيص والعلاج والرعاية ومن قبله الوقاية فإن منظومات التأمين الطبي والعلاجي بات ضرورة مهمة في كل مكان من العالم، وهاجساً محلياً وإقليمياً ودولياً تتشارك في قيامه وإنشائه الكثير من الدول والمجتمعات التي استشعرت هذه الضرورة، لتقوم من أجلها الكثير من المستشفيات والمراكز البحثية والجامعات المتخصصة والمعاهد التي تسهم في بناء هذه المنظومات الطبية بكل الوسائل الممكنة.
إذاً نحن بحاجة إلى مزيد من الاهتمام بالمراكز الصحية الأولية كلبنة أولى، لأنه ثبت أنها مفيدة ونافعة للمجتمع، فهي تسهم في التخفيف من التزاحم على المستشفيات الكبيرة، وكذلك العمل على تفعيل الشراكة والتعاون مع المستشفيات الأخرى على نحو المستشفيات الجامعية والأهلية ومراكز العلاج من أجل الاستفادة من هذه الطاقات الطبية والعلمية التي تسعى بدأب من أجل خدمة المجتمع.
ومن أبرز وجوه التعاون بين كليات الطب والصيدلة والتمريض والمستشفيات الجامعية وبين المراكز الصحية هو أن يتم التخلص من فكرة تبعية هذه المراكز لجهة صحية ما، لكي لا تسهم في ضياع الخدمة وتعثرها، وشلل التعاون بين هذه الجهات، حتى أنك حينما تتحدث عن جهة طبية وأخرى فكأنك تتحدث عن دول أو مؤسسات خارج الحدود، فيفترض في مثل هذه القطاعات الطبية الخدمية التكامل والتعاون خدمة للمرضى وذويهم.
والفكرة الأهم أن يتم التوسع في أعمال هذه مراكز الصحة الأولية لتتحول مع والوقت، والجهود التطويرية إلى ما يشبه المستشفيات المصغرة لاسيما في المناطق الزراعية والريف والقرى، كما أنها تحتاج إلى نظام متكامل يخرجها من فكرة الدوام الروتيني، وأن يكون العمل على مدار اليوم لكي تستوعب الخريجين والخريجات، ليقوموا بواجبهم نحو المرضى من أجل الإسهام في خدمة هذه المهنة الجليلة، وتخفيف العبء عن المستشفيات الكبيرة.
وعلى سبيل المثال فقد ذكر أحد الزائرين لماليزيا حينما توعك أحد أفراد أسرته وذهب إلى مستشفى متكامل الأقسام، إلا أنه لم يكن بحجم المستشفى الكبير، وحينما تم العلاج عرف أن هذا ما هو إلا «مركز صحي فرعي» وفيه من وسائل التشخيص والعلاج والطواقم الطبية ما يجعلك تجزم بأنه مستشفى متكامل، فما بالك إن ذهبت إلى المستشفيات الكبرى، فالعملية هنا تتطلب تكاملاً وتعاوناً وتنسيقاً وسن قوانين ولوائح جديدة تخدم المشروع الصحي للمجتمع، ولا تعزله في هذا التنظيم بين ما هو أهلي وحكومي أو بتأمين أو من دونه، وهي مسائل يفترض أن تتلاشى في العمل الطبي الذي يعد عماد وركيزة العمل الإنساني في كل زمان ومكان.